فينفي عنه وضع العشيّ موضع الليل، ويتلمس له مخرجاً ويعلق عليه بقوله: "فإن أراد (بالليل)، فإما أن يكون سمى الليل عشياً لمكان العِشاء الذي هو الظلمة، وإما أن يكون وضع (العشيّ) موضع الليل لقربه منه من حيث كان العشي آخر النهار وآخر النهار متصل بأول الليل" (١)... يقول: "وإنما أراد الشاعر أن يبالغ بتخرُّدِها واستحيائها، لأن الليل قد يعدم فيه الرقباء والجلساء وأكثر من يُستحيا منه، فإذا كان ذلك مع عدم هؤلاء فما ظنك بتخرُّدها نهاراً إذا حضروا؟ " (٢)، وإذا ما اتفقنا على أن لفظ (الأصيل) هو في معنى العشيّ كما قرر أهل اللغة وأهل التأويل وعلى ماسبق ذكره، فإن الزوال وما يقرب منه – على ماقرروا أيضاً – لا يسمى أصيلاً، وما قيل من أنه يسمى كذلك، لو سلم فهو ارتكاب لغير المألوف من غير ضرورة تدعو إليه (٣)، وطرقاً للباب على وتيرة واحدة وقياساً على ما سبق نقول: إن إطلاق العشي كذلك ليمتد إلى صباح اليوم التالي هو أيضاً ارتكاب لغير المألوف من غير ضرورة تدعو إليه.
ونظير ما مضى - مما يعد مقبولاً- في الحمل على المجاز مع ما يفيده من الدلالة على الاستغراق والاستدامة على فعل الشيئ في الوقتين المذكورين، ما ذكره الرازي في تفسيره لقول الله تعالى: (واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار.. غافر/٥٥) قال: "الإبكار عبارة عن أول النهار إلى النصف، والعشيّ عبارة عن النصف إلى آخر النهار، فيدخل فيه كل الأوقات" (٤)، وأحسب أن هذا هو الأليق فيما هذا شأنه وفيما يقتضي المقام حمله على معنى الاستغراق في الزمن وفاءً بحق السياق، على اعتبار أن ما يقرب من الشيئ يطلق عليه اسمه، وقد نحا كثير من المفسرين هذا المنحى مقدمين إياه على القول بمغالطة أهل اللغة والجنوح بالعشيّ وجعله من زوال الشمس إلى الصباح.
(٢) السابق بتصرف.
(٣) ينظر حاشية الشهاب٩/٣٦٣.
(٤) مفاتيح الغيب١٣/٥٦٩.