من هؤلاء صاحب التحرير والتنوير فقد ذهب في تفسيره لنفس الآية التي حمل الزمخشري فيها معنى العشيّ والإبكار على الاستدامة الشاملة لسائر ساعات اليوم والليلة، وهي قوله تعالى: (ولهم رزقهم فيها بكرةً وعشياً.. مريم/٦٢)، إلى أن المقصود من " (البكرة) : النصف الأول من النهار، و (العشيّ) النصف الأخير (١). والجمع بينهما كناية عن استغراق الزمن (٢)، أي لهم رزقهم غير محصور ولا مقدر بل كلما شاءوا" (٣).. وإن كان يعاب عليه أنه لم يستمر على هذا المنحى وراح في مواضع أخرى يحمل معنى العشي على ما بين زوال الشمس إلى الصباح على نحو ما فعل في تفسيره لآية الأنعام.
ولا يُحتج لهذا أن المقصد من كلامه الذي أورده في تفسير آية الأنعام، وكذا كلام من حجل بقيده، التكنية عن الاستدامة، لأن الجواب عن ذلك أن الكناية لا تمنع من إرادة ظاهر اللفظ، وظاهر اللفظ يصعب حمله – على نحو ما ارتأينا- في آيتي مريم والأنعام على وجه الحقيقة.
(٢) والأليق منه حمل المعنى على الحقيقة، لإفادة التوسط بين الزهادة والرغابة لما سبق ذكره.
(٣) التحرير والتنوير ١٦/١٣٨ مجلد٨.