وإذا ما رُمنا الإبحار في الكتاب العزيز بغية الوقوف على سر التنوع في التعبير عن الوقتين المنوط بهما هذا البحث، وأردنا الكشف عن علائق التراكيب التي قُدم فيها بعض مسميات هذين الوقتين على البعض الآخر، وابتغينا الغوص للتعرف على وجوه اختلاف سياقاتها وتناغيها وتواصلها.. فإنه لا بد لنا أولاً أن نستجلي الملابسات التي ورد فيها ذكر هذين الوقتين.
والمتأمل للسياقات التي قُدم فيها لفظ (العشيّ) على الإبكار كما في حق زكريا عليه السلام: (واذكر ربك كثيراً وسبح بالعشيّ والإبكار.. آل عمران/٤١)، وقوله في مخاطبة نبيه محمد - ﷺ -قبل هجرته إلى مكة: (واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشيّ والإبكار.. غافر/٥٥)، يبصر بضميمة ما جاء في قوله سبحانه في حق داود - عليه السلام -: (إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشيّ والإشراق.. ص/١٨)، أن الإبكار يدقُّ جعله وصفاً لأول النهار من بعد طلوع الشمس لا الفجر (١)، كما يرمق أن في اصطفاء مفردة (الإبكار)، وفي تقديم (العشيّ) عليها ما يصور حال الأمم السابقة المستضعفة وما كانت عليه من تلبس بالعبادة المفروضة، وكذا ما كان عليه النبي - ﷺ - وصحبه الكرام قبل فرض الصلوات الخمس وقبل الجهر بالدعوة والصدع بها.

(١) وسيأتي ما يفيد أن طرف النهار الأول يطلق ويراد به أحد معنيين: مابعد طلوع الفجر ومابعد طلوع الشمس، فعلى من التزم جعل أول النهار من طلوع الفجر جعل ما بعد طلوع الشمس مجازاً فيه والعكس بالعكس.


الصفحة التالية
Icon