ونعلم أنه - ﷺ - قد أمر بأن يقتدي بالأنبياء من قبله وأن يعبد الله بالكيفية التي كانوا يعبدونه سبحانه بها (١)، وصلاة ركعتين في آخر النهار ومثلهما بأوله هو الأوفق لحال أولئك الأوائل الذين صدّقوا بدعوة النبي - ﷺ - في صدر الإسلام فقد كان معظمهم خليط من الفقراء والضعفاء والأرقاء وليس بوسعهم مجابهة قوى الكفر المتعصبة لشركها ووثنيتها، بل ولا إظهار شعائر الدين الذي آمنت به، ولقد بلغ الضعف بهذه الثلّة المؤمنة التي آمنت بالنبي محمد - ﷺ - في بداية الأمر لحدّ أنه إذا أراد أحدهم ممارسة عبادة من العبادات التي كُلف بها ذهب إلى شعاب مكة يستخفي فيها من عيون قريش.. فمع انشغال أهل الكفر في أول هذين الوقتين بجلب الرزق والسعي على المعاش، وخلودهم في آخرهما للدعة والراحة بعد عناء يوم كامل من العمل، يمكن لأولئك المستضعفين أن يمارسوا بشئ من الحرية والبعد عن الضغط والتعرض للأذى، ما كلفوا به من قِبل ربهم وما تعلموه من نبيهم.. والبدء بالعشي أقدر على تصوير هذه الفترة، وأبلغ في بيان حالتي الإخفاء والهمس اللذين كانوا عليهما أثناء تأدية ما كلفوا به من صلاة، وترديد ما كان ينزل على نبيهم - ﷺ - من آي الذكر الحكيم.

(١) وذلك قوله سبحانه: (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده.. الأنعام/٩٠).


الصفحة التالية
Icon