الأمر الذي يؤكد على أنه حتى عندما يكون أمر تقديم كلمة على كلمة متعلقاً بما ذكره العلوي في الطراز تحت باب (ما يجوز تقديمه ولو لم يفسد معناه) (١)، فإن بلاغة النظم القرآني تقتضي أن يجيىء التناسق والترتيب بين الكلمات تحقيقاً للغرض، وأنه عندما يتغير الغرض من موضع إلى موضع آخر لا جرم يتغير معه ترتيب النظم. وإلا فـ"لو كان القصد بالنظم إلى اللفظ نفسه دون أن يكون الغرض ترتيب المعاني في النفس، ثم النطق بالألفاظ على حذوها لكان ينبغي - كما ذكر شيخ البلاغة - أن لايختلف حال اثنين في العلم بحُسن النظم أو غير الحُسن فيه لأنهما يُحسان بتوالي الألفاظ في النطق إحساساً واحداً ولا يعرف أحدهما في ذلك شيئاً يجهله الآخر" (٢).
وجه تخصيص طرفي النهار بالذكر دون سواهما:
ولا يعني هذا العنوان بحال أن يُقصر التسبيح لله تعالى على الوقتين ويُترك فيما عداهما. بل مراده البحث عن سر إفرادهما بالذكر، وبيان أنهما في ذلك وفي الدلالة على أهميتهما كإفراد التسبيح من بين الأذكار مع اندراجه فيهما لكونه العمدة (٣).
هذا وقد تعددت الأقوال في سر تخصيص وقتي الغداة والعشي بالذكر ليكونا وما في معناهما زمناً لتسبيح الله وتنزيهه دون سائر الأوقات الأخرى. فمن قائل أن الوجه في ذلك:
(٢) دلائل الإعجاز تحقيق محمود شاكر ص ٥١.
(٣) تفسير الآلوسي ٢٢/٦١ مجلد ١٢، وينظر ٩/٢٢٤ مجلد ٦، والبيضاوي ٧/٤٩٥.