وهناك من التسبيح مما جاء فى حق الأنبياء، ما يومِىء إلى ما كان في شرائع من قبلنا من صلاة كانت لهم على نحو معين في أول النهار وقبيل انتهائه، وهذا ضرب آخر من التسبيح ذكره الفيروزابادى قائلاً في شأنه بعد أن عدّد ما ورد في حق الملائكة وما جاء فى حق نبينا محمد - ﷺ -: "وأما... التي للأنبياء، فالأولى لزكريا، علامة على ولادة يحيى: (قال رب اجعل لي آية) إلى قوله: (وسبح بالعشيّ والإبكار.. آل عمران/٤١)، الثاني في وصيته لقومه على محافظة وظيفة التسبيح: (فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشياً.. مريم/١١)، والثالث في موافقة الجبال والظباء والحيتان والطير لداود في التسبيح (يسبحن بالعشيّ والإشراق.. ص/١٨) " (١)، وهذا كسابقه لا معنى له إلا بالحمل على المجاز لما سيأتى من ورود آثار تدل على مشروعية صلاة كانت لهم في هذين الوقتين تقضي بتأدية ركعتين أول النهار - هما أشبه بصلاة الضحى في شريعتنا الغراء - وركعتين قبيل انتهائه.
وهناك ما أخبرت الآيات بتسبيحه في الوقتين المباركين بما لا يمكن لنا فهمه ولا يتأتى لنا إدراكه، من نحو ذاك الذى يحدث مما لا يُتصور أن يقع منه كلام نعيه أو صلاة أو سجود نبصره، من الجمادات والحادثات التى يقول سبحانه فى شأنها: (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وظلالهم بالغدو والآصال.. الرعد/١٥)، ويقول: (إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق.. ص/١٨). فإن هذا وأضرابه مع دخوله في عموم قول الله تعالى: (تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم.. الإسراء/٤٤)، لا يتأتى منه - في حدود بشريتنا وفي نطاق معرفتنا- قول ولا يصدر منه فعل إلا ما كان منه على سبيل المعجزة أو الكرامة.

(١) بصائر ذوي التمييز ٢/٢٨٧.


الصفحة التالية
Icon