والنكتة في تصدير الآيتين الكريمتين بالأمر بالصبر قبيل الأمر بالتسبيح، الإعلام بأعظم ما يستعان به في شتى مصائب الدنيا، وهذا مما يعضد من شأن حمل التسبيح على معنى الصلاة، بل ويعين على التشيع له في سائر ما دلت القرائن على استعماله في ذات المعنى، إذ هو الأنسب مع الأمر بالصبر ليكون إرشاداً لما تضمنه قوله تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة.. البقرة/٤٥) (١).
على أن ما قيل في شأن الآيات الآمرة بالتسبيح، المحددة لمعالم أوقات الصلاة، وكذا ما ذكر في أمر نزولها بالمدينة دون سائر آيات السورة التي وردت فيها.. يقال مثله في قوله سبحانه في سورة الروم: (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون.. الروم/١٧)، ففي المصاحف المتداولة بين أيدينا أن هذه الآية، هي الآية الوحيدة من بين سائر آيات السورة البالغ عددها ستين آية، التي نزلت بالمدينة المنورة - على ساكنها أفضل الصلاة والسلام- الأمر الذي يومِىء إلى أن التسبيح الوارد فيها - بالنظر إلى تلك القرينة- يراد به الصلاة، وأن المراد بـ (عشياً) بعدها، هو صلاة العصر لكونه المتصل به والمقابل لقوله: (وحين تصبحون)، بل إن هذا مما نص عليه الدامغاني في الوجوه والنظائر ودل عليه الأثر فقد أخرج عبد الرازق والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبراني والحاكم وصححه، عن أبي رزين قال: جاء نافع بن الأزرق إلى ابن عباس فقال: هل تجد الصلوات الخمس فى القرآن؟ فقال: نعم. فقرأ (فسبحان الله حين تمسون) : صلاة المغرب، (وحين تصبحون) : صلاة الفجر، (وعشياً) : صلاة العصر (وحين تظهرون) : صلاة الظهر... وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر عنه قال: جمعت هذه الآية مواقيت الصلاة (فسبحان الله حين تمسون) : المغرب والعشاء، (وحين تصبحون) : الفجر، (وعشياً) : العصر، (وحين تظهرون) : الظهر.. وذهب الحسن إلى نحو ذلك (٢)
(٢) ينظر الكشاف ٣/٢١٧ والآلوسي ٢١/٤٢ مجلد ١٢وفتح القدير٤/٢٢٢ والوجوه والنظائر١/ ٤٤٦.