يزال غضًا سرعان ما يتأثر بما يحيط به، وكان أول هذه المؤثرات هنا، هو هذا الأسلوب في التدريس، الذي نقم عليه الشيخ، واستمرت تلك النقمة تلازمه طيلة حياته كلها.
العامل الأول:
أما أهم العوامل التي كان لها في نفس الشيخ الأثر القريب، ذو الفعل المباشر، اتصاله بالشيخ درويش خضر رحمه الله. فلقد استطاع هذا الشيخ بحق، أن ينتزع من نفس الأستاذ جميع تلك السلبيات، وأن يقتلع جذور تلك الرواسب، وأن يغرس الإيجابية والحيوية، وأن يفتح له الآفاق الروحية المشرقة، وهنيئًا لهؤلاء الذين جعلهم الله أبوابًا للخير، يفتحون مغاليق النفوس بما وهبهم الله من صفاء وإخلاص، وهنيئًا كذلك لأولئك الذين يقيض الله لهم، هذه الصفوة الخيرة - اللهم دلنا على من يدلنا عليك - ولقد كان الأستاذ شغوفًا بلقاء الشيخ، كلما سمح وقت أو سنحت فرصة. وإذا أردنا أن ندرك أثر الشيخ درويش في نفسه، فلنوازن بين ما يقوله عن دراسته في طنطا، وما يعترف به من أثر للشيخ درويش.
يحدثنا عن أثر أسلوب التعليم في نفسه فيقول:
(وقضيت سنة ونصفًا لا أفهم شيئًا، لرداءة طريقة التعليم. فأدركني اليأس من النجاح، وهربت من الدرس، واختفيت عن إخواني مدة ثلاثة شهور، ثم عثر علي أخي، وأخذني إلى المسجد الأحمدي، وأراد إكراهي على طلب العلم، وقلت له: قد أيقنت أن لا نجاح لي في طلب العلم، ولم يبق علي إلا أن أعود إلى بلدي وأشتغل بملاحظة الزراعة كما يشتغل الكثير من أقاربي. وانتهى الجدل بتغلبي عليه، وأخذت ما كان لي من ثياب ومتاع، ورجعت إلى محلة نصر على نية ألّا أعود إلى طلب العلم، وتزوجت على هذه النية فهذا أول أثر وجدته في نفسي، من طريقة التعليم في طنطا. وهي بعينها طريقته في الأزهر، وهو الأثر الذي يجده خمسة وتسعون في المائة، ممن لا يساعدهم القدر، بصحبة من لا يلتزمون هذه