السبل في التعليم) (١).
ويصف أثر صحبة الشيخ في نفسه فيقول:
(رأيتني أطير بنفسي في عالم غير العالم الذي كنت أعهده. واتسع لي ما كان ضيقًا، وصغر عندي من الدنيا ما كان كبيرًا، وعظم عندي من أمر العرفان والنزوع بالنفس إلى جانب القدس، ما كان صغيرًا، وتفرقت عني هموم النفس إلّا همًا واحدًا، وهو أن أكون كامل المعرفة وكامل أدب النفس.

ولم أجد إمامًا يرشدني إلى ما وجهت إليه نفسي، إلّا ذلك الشيخ، الذي أخرجني في بضعة أيام، من سجن الجهل إلى فضاء المعرفة - ومن قيود التقليد إلى إطلاق التوحيد وهو مفتاح سعادتي إن كانت لي سعادة في هذه الحياة الدنيا، وهو الذي رد لي ما كان غاب من غريزتي، وكشف لي ما خفي عني مما أودع في فطرتي) (٢).
العامل الثاني:
وإذا كان الشيخ درويش خضر هو المؤثر الخفي الذي غاب عن أذهان الناس، فإن هناك مؤثرًا ظاهرًا كان له صولة وجولة في حياة الشيخ، ألا وهو جمال الدين الأفغاني. وإذا كان الشيخ درويش، قد فتح قلب الأستاذ لآفاق الحياة الواسعة، واستطاع أن يسمو بروحه إلى مدارج الصفاء، فإن الشيخ جمال الدين كان له أثره في نمو فكره، واتساع مداركه لينظر إلى الحياة نظرة فيها الجدة والواقعية لا يشوبها الخيال، ولا يعتريها بعض ما يعتري المتصوفين، بل كانت فيها روحانية المتصوف وفكر الفيلسوف، وفقه المسلم.
ومن الجميل أن يقدر الأستاذ محمد عبده للشيخ جمال الدين هذا الجميل،
(١) تاريخ الأستاذ الإمام ١/ ٢٠، وانظر الأعمال الكاملة للإمام ٢/ ٣٢٨.
(٢) تاريخ الأستاذ الإمام ١/ ٢٤ - ٢٥.


الصفحة التالية
Icon