باردًا، وتلاحظ فيه الفواصل، وأنواع الجناس وإن كان رديئًا في الذوق، بعيدًا عن الفهم، ثقيلًا على السمع، غير مؤد للمعنى المقصود، ولا ينطبق على آداب اللغة العربية.. ولا يزال هذا النوع موجودًا في عبارات المشايخ. وهناك أمر آخر كنت من دعاته والناس جميعًا في عمى عنه، ولكنه الركن الذي تقوم عليه حياتهم الاجتماعية وما أصابهم الوهن والضعف والذل إلا بخلو مجتمعهم منه، وذلك هو التمييز بين ما للحكومة من حق الطاعة على الشعب، وما للشعب من حق العدالة على الحكومة، نعم كنت فيمن دعا الأمة المصرية إلى معرفة حقها على حاكمها، وهي لم يخطر لها هذا الخاطر على البال من مدة تزيد على عشرين قرنًا. دعوناها إلى الاعتقاد بأن الحاكم، وإن وجبت طاعته، من البشر الذين يخطئون وتغلبهم شهواتهم، وأنه لا يرده عن خطئه، ولا يقف طغيان شهوته إلا نصح الأمة له بالقول والفعل. جهرنا بهذا القول والاستبداد في عنفوانه، والظلم قابض على صولجانه، ويد الظالم من حديد، والناس كلهم عبيد له أي عبيد.
ولم أكن في كل ذلك الإمام المتبع، ولا الرئيس المطاع، غير أني كنت روح الدعوة وهي لا تزال بي في كثير مما ذكرت قائمة. ولا أبرح أدعو إلى عقيدتي في الدين، وأطالب بإتمام الصلاح في اللغة وقد قارب، أما أمر الحكومة والمحكوم، فتركنه للقدر يقدره، وليد الله بعد ذلك تدبره، لأنني قد عرفت أنه ثمرة تجنيها الأمة من غراس تغرسه، وتقوم على تنميته السنون الطوال. فهذا الغرس هو الذي ينبغي أن يعنى به الآن والله المستعان، أصبت نجاحًا في كثير مما عنيت به، وأخفقت في كثير مما وجهت عزيمتي إليه، ولعل لذلك أسبابًا، بعضها ما غرز في طبعي وشيء منها احتف حولي، وطائفة من أصالتي في الرأي أو خطلي) (١) وكلمة الشيخ هذه يشعر قارئها، ويحس المتأمل فيها، بأنها كانت نفثة أخرجها الشيخ من فؤاده، وكانت عصارة ألم فيه اليأس تارة، والأمل أخرى. على أن نزعة الشيخ وآراءه في الإصلاح، كانت مثار نقاش وجدل بين خصومه ومؤيديه، في حياته وبعد وفاته.