بالإضافة إلى المدرستين السابقتين أعني مدرسة المنار ومدرسة الجواهر (١)، يقول صاحب الظلال في مقدمته:
(الحياة في ظلال القرآن نعمة، نعمة لا يعرفها إلا من ذاقها، نعمة ترفع العمر وتباركه وتزكيه... لقد عشت أسمع الله -سبحانه- يتحدث إلي بهذا القرآن، أنا العبد القليل الصغير... أي تكريم للإنسان هذا التكريم العلوي الجليل؟ أي رفعة للعمر يرفعها هذا التنزيل؟ أي مقام كريم يتفضل به على الإنسان خالقه الكريم؟

وعشت في ظلال القرآن -أرى الوجود أكبر بكثير من ظاهره المشهود... إنه عالم الغيب والشهادة لا عام الشهادة وحده... والموت ليس نهاية الرحلة إنما هو مرحلة في الطريق، وما يناله الإنسان من شيء في هذه الأرض ليس نصيبه كله... وما يفوته هنا من الجزاء لا يفوته هناك فلا ظلم ولا بخس ولا ضياع... وعشت في ظلال القرآن أرى الإنسان أكرم بكثير من كل تقدير عرفته البشرية من قبل
وعشت في ظلال القرآن أنظر من علو إلى الجاهلية التي تموج في الأرض، وإلى اهتمامات أهلها الصغيرة الهزيلة، انظر إلى تعاجب أهل هذه الجاهلية بما لديهم من معرفة الأطفال وتصورات الأطفال وأعجب ما بال هذا الناس؟ ما بالهم يرتكسون في الحمأة الوبيئة، ولا يسمعون النداء العلوي الجليل، النداء الذي يرفع العمر ويباركه ويزكيه؟ يا حسرة على العباد.
(١) لقد بدأ سيد فكرته في تفسير القرآن الكريم عندما بدأ بنشر مقالاته في مجلة المسلمون، تحت عنوان (في ظلال القرآن)، وبعد إصداره سبع حلقات في هذه المجلة توقف عن ذلك ليبدأ بكتابة تفسير متكامل للقرآن الكريم في كتاب مستقل يحمل العنوان، وصدر عنه ستة عشر جزءًا ما بين العام ١٩٥٢ - ١٩٥٤ ودخل حينها سيد السجن، وأكمل بقية الأجزاء فيه، وانتهى من ذلك قبل نهاية الخمسينيات.
ثم بدأ بكتب الظلال من جديد وينقح فيه الكثير حتى وصل فيه إلى نهاية الجزء الثالث عشر، وقد انتهى فيه من تفسير سورة إبراهيم عليه السلام، ثم دخل السجن من جديد وبقي فيه إلى وقت إعدامه. وسيكون حديثنا ووقفاتنا مع الظلال من خلال الطبعات المنقحة.


الصفحة التالية
Icon