بشخصيتها الخاصة وطابعها ونسقها، يقول عن ذلك في مقدمة سورة البقرة: (ومن ثم يلحظ من يعيش في ظلال القرآن أن لكل سورة من سوره شخصية مميزة، شخصية لها روح يعيش معها القلب كما لو كان يعيش مع روح حي مميز الملامح والسمات والأنفاس، ولها موضوع رئيسي أو عدة موضوعات رئيسية مشدودة إلى محور خاص، ولها جو خاص يظلل موضوعاتها كلها، ويجعل سياقها يتناول هذه الموضوعات من جوانب معينة تحقق التناسق بينها وفق هذا الجو، ولها إيقاع موسيقي خاص إذا تغير في ثنايا السياق فإنما يتغير لمناسبة موضوعية خاصة، وهذا طابع عام في سور القرآن جميعًا، ولا يشذ عن هذه القاعدة طوال السور كهذه السورة (١).
وبعد الانتهاء من المقدمة يقسم السورة إلى وحدات حسب موضوعاتها، وربما يأتي إلى الوحدة كذلك فيقدم لها، بمعنى أنه يعطي عنها فكرة إجمالية كما يقول ثم يبدأ بتفصيل التفسير.
وعلى الرغم من اهتمام سيد بالموضوعات القرآنية، والتدرج في الأحكام، واستخلاص النتائج من مقدماتها، على الرغم من اهتمامه بذلك كله، فإنه قد سلك الجادة المثلى حينما جعل تفسيره حسب ترتيب المصحف، ولم يفسره حسب ترتيب النزول كما فعل بعض الكاتبين وهذا ما ستعرفه فيما بعد.
ويعلل ذلك بقوله:
(ذلك أن الترتيب الزمني للنزول لا يمكن القطع فيه الأن بشيء -اللهم إلا من ناحية أن هذا قرآن مكي وهذا قرآن مدني على وجه الإجمال، على ما في هذا من خلافات قليلة- فأما الترتيب الزمني المقطوع به من ناحية زمن نزول كل آية أو كل مجموعة من الآيات أو كل سورة فيكاد يكون متعذرًا، ولا يكاد يجد الإنسان فيه اليوم شيئًا مستيقنًا، إلا في آيات معدودات تتواتر بشأنها الروايات أو تقطع بشأنها