عالم المادة بشتى وسائله وصنوفه فهي موكولة إلى عقل الإنسان وتجاربه وكشوفه وفروضه ونظرياته، بما أنها أساس خلافته في الأرض، وبما أنها مهيأ لها بطبيعة تكوينه... والقرآن يصحح له فطرته كي لا تنحرف ولا تفسد ويصحح له النظام الذي يعيش فيه كي يسمح له باستخدام طاقاته الموهوبة له وليزوده بالتصور التام لطبيعة الكون وارتباطه بخالقه، وتناسق تكوينه وطبيعة العلاقة القائمة بين أجزائه -وهو أي الإنسان أحد أجزائه- ثم ييسّر له أن يعمل في إدراك الجزئيات والانتفاع بها في خلافته، ولا يعطيه تفصيلات؛ لأن معرفة هذه التفصيلات جزء من عمله الذاتي.
وإني لأعجب لسذاجة المتحمسين لهذا القرآن الذين يحاولون أن يضيفوا إليه ما ليس منه وأن يحملوا عليه ما لم يقصد إليه وأن يستخرجوا منه جزئيات في علوم الطب والكيمياء والفلك وما إليها... كأنما ليعظموه بهذا ويكبروه!... كذلك لا يجوز أن نعلق الحقائق النهائية التي يذكرها القرآن أحيانًا عن الكون في طريقه لإنشاء التصور الصحيح لطبيعة الوجود وارتباطه بخالقه وطبيعة التناسق بين أجزائه، لا يجوز أن نعلق هذه الحقائق النهائية التي يذكرها القرآن بفروض العقل البشري ونظرياته ولا بما يسميه (حقائق علمية) مما ينتهي إليه بطريقة التجربة القاطعة في نظره.
إن الحقائق القرآنية حقائق نهائية قاطعة مطلقة، أما ما يصل إليه البحث الإنساني أيًا كانت الأدوات المتاحة له -فهي حقائق غير نهائية ولا قاطعة وهي مقيدة بحدود تجاربه وظروف هذه التجارب وأدواتها... فمن الخطأ المنهجي -بحكم المنهج العلمي الإنساني ذاته- أن تعلق الحقائق النهائية القرآنية بحقائق غير نهائية وهي كل ما يصل إليه العلم البشري.
هذا بالقياس إلى (الحقائق العلمية)... والأمر أوضح بالقياس إلى النظريات والفروض التي تسمى (علمية)... ومن هذه النظريات والفروض كل النظريات


الصفحة التالية
Icon