(الدودة الشريطية وبويضاتها المتكيسة) ويقول الآن قوم إن وسائل الطهو الحديثة قد تقدمت فلم تعد هذه الديدان وبويضاتها مصدر خطر؛ لأن إبادتها مضمونة بالحرارة العالية التي توفرها وسائل الطهو الحديثة... وينسى هؤلاء الناس أن علمهم قد احتاج إلى قرون طويلة ليكشف آفة واحدة، فمن ذا الذي يجزم بأن ليس هناك آفات أخرى في لحم الخنزير لم يكشف بعد عنها؟ أفلا تستحق الشريعة التي سبقت هذا العلم البشري بعشرات القرون أن نثق بها، وندع كلمة الفصل لها، ونحرم ما حرمت، ونحلل ما أحلت، وهي من لدن حكيم خبير؟ (١).
وإذا رأيناه هنا يتجه إلى التعليل فإنا نراه في موضع آخر يكشف لنا عن رأيه واضحًا في أن هذا التعليل لا ينبغي أن يكون، وإنما لا بأس من الاستفادة مما يكشفه العلم البشري من آثار نافعة للاحكام والتوجيهات الإلهية، فهو يقول في تفسير آيات الصيام.
(... ومع أنني لا أميل إلى تعليق الفرائض والتوجيهات الإلهية في العبادات -بصفة خاصة- بما يظهر للعين من فوائد حسية، إذ الحكم الأصلية فيها هي إعداد هذا الكائن البشري لدوره على الأرض وتهيئة الكمال المقدر له في الحياة الآخرة.. مع هذا فإني لا أحب أن أنفي ما تكشف عنه الملاحظة، أو يكشف عنه العلم من فوائد لهذه الفرائض والتوجيهات، ارتكازًا إلى الملحوظ والمفهوم من مراعاة التدبير الإلهي لكيان الإنسان جملة في كل ما يفرض عليه وما يوجه إليه، ولكن في غير تعليق لحكمة التكليف الإلهي بهذا الذي يكشف عنه العلم البشري، فمجال هذا العلم محدود لا يتسع ولا يرتقي إلى استيعاب حكمة الله في كل ما يروض به هذا الكائن البشري، أو كل ما يروض به هذا الكون بطبيعة الحال (٢).
وهو لا ينسى أن يستجيش القلوب ويستثير الوجدان وهو يشير إلى الصبغة البيانية في آيات الأحكام مما يجعلها ذات أثر في النفس الإنسانية، فهو يقول مثلًا عند قوله

(١) الظلال جـ ٢ ص ٥٧ الطبعة الخامسة.
(٢) الظلال (١/ ١٦٩).


الصفحة التالية
Icon