تعالى ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨].
(... يتربصن بأنفسهن... لقد وقفت أمام هذا التعبير اللطيف، التصوير لحالة نفسية دقيقة... إن المعنى الذهني المقصود هو أن ينتظرن دون زواج جديد حتى تنقضي ثلاث حيضات... أو حتى يطهرن منها... ولكن التعبير القرآني يلقي ظلالًا أخرى بجانب ذلك المعنى الذهني... إنه يلقي ظلال الرغبة الدافعة إلى استئناف حياة زوجية جديدة رغبة الأنفس التي يدعوهن إلى التربص بها والإمساك بزمامها، مع التحفز والتوفز الذي يصاحب صورة التربص وهي حالة طبيعية، ترفع إليها رغبة المرأة أن تثبت لنفسها ولغيرها أن إخفاقها في حياة الزوجية، لم يكن لعجز فيها أو نقص، وأنها قادرة على أن تجتذب رجلًا آخر وتنشيء حياة جديدة... هذا الدافع لا يوجد بطبيعته في نفس الرجل؛ لأنه هو الذي طلق، بينما يوجد بعنف في نفس المرأة؛ لأنها هي التي وقع عليها الطلاق... وهكذا يصور القرآن الحالة النفسية من خلال التعبير كما يلحظ هذه الحالة ولحسب لها حسابًا) (١).
وكذلك يقول عند تفسير آية الدين (وإن الإنسان يقف في عجب وفي إعجاب أمام التعبير الشريعي في القرآن، حيث تتجلى الدقة العجيبة في الصياغة القانونية حتى ما يبدل لفظ بلفظ، ولا تقدم فقرة عن موضعها أو تؤخر، وحيث لا يربط التشريع بالوجدان الديني ربطًا لطيف المدخل عميق الإيحاء قوي التأثير دون الإخلال بترابط النص من ناحية الدلالة القانونية... إن الإعجاز في صياغة آيات التشريع هنا لهو الإعجاز في صياغة آيات الإيحاء والتوجيه، بل هو أوضح وأقوى (٢)؛ لأن الغرض هنا دقيق يحرفه لفظ واحد، ولا ينوب فيه لفظ عن لفظ، ولولا الإعجاز ما حقق الدقة التشريعية المطلقة والجمال الفني المطلق على هذا النحو الفريد... ) (٣).
(٢) لسنا مع المؤلف في قوله (بل أوضح وأقوى) إذ إن الإعجاز واحد في وضوحه وقوته في جميع آيات القرآن الكريم، نقول هذا لأن عبارته تشير إلى التفاضل.
(٣) (٣/ ٩٥).