ينبغي أن يكون إلا على أساس هذه العقيدة الثابتة في أغوار التاريخ وجذور الزمن، وأن أي تجمع على شيء سوى تلك العقيدة إنما هو تجمع على أمر غير مسحقر، فسرعان ما يتداعى بنيانه من القواعد، ويخر سقفه، وبخاصة أن لهذا التجمع على العقيدة ميزات لا تتوفر لغيره أبدًا، يقول صاحب الظلال في ظلال حوار نوح في شأن ابنه ﴿رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (٤٥) قَال يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ [هود: ٤٥ - ٤٦].
إن الوشيجة التي يتجمع عليها الناس في هذا الدين وشيجة فريدة تتميز بها طبيعة هذا الدين وتتعلق بآفاق وآماد وأبعاد وأهداف يختص بها ذلك المنهج الرباني الكريم، إن هذه الوشيجة ليست وشيجة الدم والنسب وليست وشيجة الأرض والطين وليست وشيجة القوم والعشيرة... إن هذه الوشائج جميعها قد توجد ثم تنقطع العلاقة بين الفرد والفرد كما قال الله سبحانه لعبده نوح عليه السلام:
﴿يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ ثم بين لماذا يكون ابنه ليس من أهله... ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ إن وشيجة الإيمان قد انقطعت بينكما يا نوح ﴿فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ فأنت تحسب أنه من أهلك ولكن هذا الحسبان خاطئ، أما المعلوم المستيقن فهو أنه ليس من أهلك ولو كان هو ابنك من صلبك! !.
وهذا هو المعلوم الواضح البارز على مفرق الطريق بين نظرة هذا الدين إلى الوشائج والروابط، وبين نظرات الجاهلية المتفرقة... إن الجاهليات تجعل الرابطة آنًا هي الدم والنسب، وآنًا هي الأرض والوطن، وآنًا هي القوم والعشيرة، وآنًا هي اللون واللغة، وآنًا هي الجنس والعنصر، وآنًا هي الحرفة والطبقة، تجعلها آنًا هي المصالح المشتركة أو التاريخ المشترك أو المصير المشترك... ولكنها تصورات جاهلية على تفرقها وتجمُّعِها- تخالف مخالفة أصلية عميقة أصل التصور الاسلامي)! !.
ثم يأتي للتدليل على ذلك بأمثلة لشتى الوشائج والروابط الجاهلية الأخرى ليقرر من ورائها حقيقة الوشيجة الوحيدة التي يجب اعتبارها.