من ذلك ما يكون بين الولد والوالد كإبراهيم وأبيه وبما يكون بينه وبين قومه كإبراهيم وغيره من الرسل عليهم السلام مع أقوامهم، وما يكون بين الزوج وزوجه كنوح ولوط وامرأة فرعون، وما يكون بين المؤمنين وأهليهم وقومهم ووطنهم وديارهم وأموالهم ومصالحهم وماضيهم وحاضرهم، كالذين آمنوا مع إبراهيم وأصحاب الكهف ويعقب على ذلك بقوله:
(وبهذه الأمثلة التي ضربها الله للأمة المسلمة من سيرة الرهط الكريم من الأنبياء والمؤمنين الذين سبقوها في موكب الإيمان الضارب في شعاب الزمان وضحت معالم الطريق لهذه الأمة، وقام هذا المعلم البارز أمامها عن حقيقة الوشيجة التي يجب أن يقوم عليها المجتمع المسلم، ولا يقوم على سواها، وطالبها ربها بالاستقامة على الطريق في حسم ووضوح يتمثلان في مواقف كثيرة وفي توجيهات من القرآن كثيرة... وهكذا تقررت تلك القاعدة الأصلية الحاسمة في علاقات المجتمع الإسلامي... ولم يعد هناك مجال للجمع بين الإسلام وبين إقامة المجتمع على أي قاعدة أخرى غير القاعدة التي اختارها الله للأمة المختارة، والذين يدعون صفة الإسلام ثم يقيمون مجتمعاتهم على قاعدة أو أكثر من تلك العلاقات الجاهلية التي أحلّ الإسلام محلها قاعدة العقيدة، إما أنهم لا يعرفون الإسلام وإما أنهم يرفضونه، والإسلام في كلتا الحالتين لا يعترف لهم بتلك الصفة التي يدعونها لأنفسهم وهم لا يطبقونها بل يختارون غيرها من مقومات الجاهلية الحديثة فعلًا (١).
ثم ينتقل بعد ذلك لبيان مزايا هذا التجمع على العقيدة وخصائص تلك العقيدة فيذكر أولًا أن العقيدة تمثل أعلى خصائص الإنسان التي تفرقه من عالم البهيمة؛ لأنها تتعلق بالعنصر الزائد في تركيبه وكينونته عن تركيب البهيمة وكينونتها، وهو العنصر الروحي الذي به صار هذا المخلوق إنسانًا في هذه الصورة، وأنها تتعلق