العرب قاطبة -على الأرجح- بدلًا من أن يعاني ثلاثة عشر عامًا في اتجاه معارض لأهواء أصحاب السلطان في الجزيرة؟... وأن يستخدم هذا كله في إقرار عقيدة التوحيد.. ولكن الله سبحانه وهو العليم الحكيم لم يوجه رسوله -صلى الله عليه وسلم- هذا التوجيه! إنما وجهه إلى أن يصدع بلا إله إلا الله... لماذا؟ إن الله لا يريد أن يعنت رسوله والمؤمنين معه إنما هو سبحانه يعلم أن ليس هذا هو الطريق... ليس الطريق أن تخلص الأرض من يد طاغوت روماني أو طاغوت فارسي... إلى يد طاغوت عربي... فالطاغوت كله طاغوت!... إن الأرض لله ويجب أن تخلص لله، ولا تخلص لله إلا أن ترتفع عليها راية لا إله إلا الله...) (١).
ويمضي بعد ذلك صاحب الظلال فيبين عدم إمكان إثارة الدعوة على أسس اقتصادية تستهدف العدالة في توقيع الثروات وإنصاف الفقراء أو على أسس اجتماعية تحارب الدنس والمفاسد لأن الله سبحانه وهو العليم الحكيم يعلم أن ليس هذا هو الطريق وإنما العقيدة أولًا لا بد من أن تستقر في النفوس، وحينذاك تتحقق تلك الأهداف كلها وهذا الذي قد كان، ويتابع القول:
(ولقد تم هذا كله لأنا الذين أقاموا هذا الدين في صورة دولة ونظام... كانوا قد أقاموا هذا الدين (٢) من قبل في ضمائرهم وفي حياتهم في صورة عقيدة وخلق وعبادة وسلوك وكانوا قد وعدوا على إقامة هذا الدين وعدًا واحدًا لا يدخل فيه الغلب والسلطان... ولا حتى نصرًا لهذا الدين على أيديهم (٣)... وعدًا واحدًا
(٢) ٢/ ١٠٠٨.
(٣) لسنا مع الأستاذ سيد فيما ذهب إليه من أن المؤمنين الأولين لم يعدهم الله بالنصر والتمكين في الدنيا وإنما وعدوا الجنة فقط، وإن حديثه في ذلك تعوزه الدقة والموضوعية والنصوص الكثيرة تؤيد ما أقول ففي القرآن في سورة الروم ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم: ٤٧] وفي سورة غافر ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر: ٥١] وهما سورتان مكيتان باتفاق والآيتان كذلك فيهما دون ريب، هذا في القرآن أما السنة المطهرة ففيها النصوص=