وهذه المسألة هي زواجه من السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها.
والمعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أراد من زواج زيد بزينب، على الرغم من الفوارق البعيدة بينهما، مقاصد نبيلة أهمها: إذابة الفوارق في المجتمع المسلم الجديد. ولكن هذا الزواج لم يكتب له دوام التوفيق، فطلق زيد زينب ونزل في ذلك قرآن، وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يتزوجها، وذلك لتقرير حكم شرعي كانت الجاهلية تنفر منه، وهو جواز زواج المتبني مطلقة متبناه. ولكن الذين لا يميزون بين صحيح الروايات وسقيمها، اختلط عليهم الأمر فنقلوا روايات تخل بعصمته عليه وآله الصلاة والسلام. وقد بين الأئمة زيفها كما رأينا في تفسير الحافظ ابن كثير رحمه الله وأبي بكر بن العربي رحمه الله، صاحب أحكام القرآن، الذي نقل عنه الإمام كثيرًا مما كتبه، وقد أعجب بما كتب. ويستغل أعداء الإسلام مثل هذه الفرية ليشوهوا بها جمال هذا الدين ونبيه. ولا نجد دينًا كالإسلام، وكتابًا كالقرآن، وشخصية كالرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-، حاول المغرضون والموتورون أن يقيموا الحجب بين الناس وشمس هدايتهم وإشراقهم، ولكنه الإسلام تتحطم على صخرته الصلبة كل المطاعن والشبه والدسائس. ولقد أحسن الشاعر محمود غنيم في قوله:

هي الحنيفة عين الله تكلؤها فكلما حاولوا تشويهها شاهوا
يقول الأستاذ الإمام: (ولو كان للجمال سلطان على قلبه -صلى الله عليه وسلم-، لكان أقوى سلطانه عليه جمال البكر في رواثه ونضرة جدته، وقد كان يراها، وليس بينه وبينها حجاب، ولا يخفى عليه شيء من محاسنها الظاهرة، ولكلنه لم يرغبها لنفسه، ورغبها لمولاه. فكيف يمتد نظره إليها، ويصيب قلبه سهم حبها، بعد أن صارت زوجة لعبد من عبيده، أنعم عليه بالعتق والحرية) (١). وبعد كلام كثير حول تفسير الآية ورد الشبهات يقول: (أما والله لولا ما أدخله الضعفاء أو المدلسون من مثل هذه الرواية، ما خطر ببال مطلع على الآية الكريمة، شيء مما يرمون إليه، فإن نص
(١) دروس من القرآن الكريم، ص ١٤٤.


الصفحة التالية
Icon