﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: ٤] إلى آخر السورة.
ولا يزال أهل الأديان الأربعة هم أعظم أمم الأرض وأكثرهم عددًا وأرقاهم.
والترتيب في ذكرها في الآية هو باعتبار درجة صحتها بالنسبة لأصولها الأولى، فبدأ تعالى بالقسم بالبوذية، لأنها أقل درجة في الصحة، وأشد الأديان تحريفًا عن أصلها، كما يبدأ الإنسان بالقسم بالشيء الصغير، ثم يرتقي للتأكيد إلى ما هو أعلى. ثم النصرانية وهي أقل من البوذية تحريفًا. ثم اليهودية وهي أصح من النصرانية، ثم الإسلامية وهي أصحها جميعًا وأبعدها عن التحريف والتبديل، بل إن أصولها الكتاب والسنة العملية المتواترة، لم يقع فيها تحريف مطلقًا، ومن محاسن هذه الآية الشريفة غير ذلك، ذكر ديني الفضل (البوذية والمسيحية) أولًا، ثم ديني العدل (اليهودية والإسلامية) ثانيًا، للإشارة إلى الحكمة بتربية الفضل والمسامحة مع الناس أولًا، ثم تربية الشدة والعدل، وكذلك بدأ الإسلام باللين والعفو ثم بالشدة والعقاب، ولا يخفى على الباحثين التشابه العظيم بين بوذا وعيسى ودينيهما. وكذلك التشابه بين موسى ومحمد ودينيهما. فلذا جمع الأولان معًا والآخران كذلك، وقدم البوذية على المسيحية لقدم الأولى، كما قدم الموسوية على المحمدية لهذا السبب بعينه، ومن محاسن الآية أيضًا الرمز والإشارة إلى ديني الرحمة بالفاكهة والثمرة، وإلى ديني العدل بالجبل والبلدة الجبلية (مكة) وهي البلد الأمين، ومن التناسب البديع بين ألفاظ الآية، أن التين والزيتون ينبتان كثيرًا في أودية الجبال، كما في جبل الزيتون بالشام وطور سينا، فهما مشهوران بها، فهذه الآية قسم بأول مهابط الوحي، وأكرم أماكن التجلي الإلهي على أنبيائه الأربعة، الذين بقيت شرائعهم للآن، وأرسلهم الله لهداية الناس الذين خلقهم في أحسن تقويم) (١).
قد يتوهم القارئ أن هذا القول لابن تيمية، وقد بحثنا كثيرًا في كتب ابن تيمية ولم نجده. ويظهر أن القاسمي قد نقله عن بعض المعاصرين. والحق إنه لقول أشد بعدًا من كثير من الإسرائيليات، وكنت أتمنى أن يعلق عليه صاحب التفسير، وهذه كلمة موجزة للعلامة الشيخ أبي الحسن الندوي =