وبعد أن نقلنا لك بعض النماذج من تفسير الشيخ القاسمي، يتبين لنا منهجه رحمه الله، فقد كانت له عناية بكثير من قضايا التفسير، ومن هذه القضايا:
أولًا: عنايته بالقضايا اللغوية:
ومن الأمثلة على ذلك قوله عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾ [البقرة: ١٨]: (الصمم: آفة مانعة من السماع، سمي به فقدان حاسة السمع لما أن سببه اكتناز باطن الصماخ، وانسداد منافذه بحيث لا يكاد يدخله هواء يحصل الصوت بتموجه.
والبكم: الخرس، والعمي: عدم البصر عما من شأنه أن يبصر، ووصفوا بذلك مع سلامة حواسهم المذكورة، لما أنهم سدوا عن الإصغاء إلى الحق مسامعهم، وأبوا أن ينطقوا به ألسنتهم، وأن ينظروا ويبصروا بعيونهم، فجعلوا كانما أصيبوا بآفةٍ في مشاعرهم، كقوله:
صم إذا سمعوا خيرًا ذكرت به | وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا |
وكقوله:أصمَّ عن الشيء الذي لا أريده | وأسمع خلق الله حين أريد |
وقوله عند تفسيره لقوله تعالى:
﴿فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ [الأنقال: ٥٧]: (قال في التاج: وقيل: معنى: (فشرد بهم) فسَمِّع بهم، وقيل فزِّع بهم، ولا يخفى أن هذه المعاني متقاربة، وأصل التشريد الطرد والتفريق، ويقال: شرد به تشريدًا، سمَّع الناس بعيوبه، قال:
أطوِّف بالأباطح كل يوم | مخافة أن يُشَرَّد بي حكيم |