ما يؤكد ذلك تأويله لبعض الآيات، بما يتفق مع تأويل الإمام لها، وعلى سبيل المثال تأويله لقول الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ [البقرة: ٢٤٣] ولكن بعد الشقة، وعظم المسافة وصعوبة الاتصال في ذلك الوقت بينهما، لم يتح له أن يطلع على كل ما قاله الإمام، ولا ننسى الصلة الوثيقة بين القاسمي وبين الشيخ رشيد رضا أهم أعلام مدرسة محمد عبده.
تقويم التفسير:
وبعد، فهذه لمحات وقبسات وملاحظات من هذا التفسير وعليه، ولا بد من كلمة أخيرة نرجو أن نجانب فيها الهوى والزلل، ونتوخى فيها الإنصاف.
إن تقويم كتاب ما، يعتمد أول ما يعتمد على أسلوب كاتبه وآرائه وعلى الموضوع الذي كتب شكلًا ومضمونًا. وقد ورد في (محاسن التأويل) مجموعة تبرز فيها شخصيات متعددة، ويظهر فيها أكثر من طابع واحد، ومن هنا، فتقويم الكتاب إنما هو بقدر ما فيه من تلاؤم بين الأقوال والنقول التي أودعت فيه، والحق أن (القاسمي) كان موفقًا في هذا، وكتابه دائرة معارف، نقرأ فيها أقوال المفسرين، ابتداء من (ابن جرير) إلى الشيخ محمد عبده، ونطلع على آرائهم، وعلى اختلاف اتجاهاتهم ونحلهم، فتتجلى لنا فيه أقوال المعتزلة والمتصوفة والزيدية والأشاعرة، إلى جانب آراء السلف، كما نقرأ فيه لعلماء الحديث واللغة وعلماء الفلك، ونبذة غير قليلة من كتب الديانات الأخرى، كل هذا استطاع (القاسمي) أن يضم بعضه دونما قلق أو تنافر إلى بعض، مع إظهار سلفيته في آيات العقيدة، وحريته في آيات الأحكام، دون التقيد بمذهب ما.
والحق أن هذا اللون من التفسير لون ممتع، قل أن يجد الإنسان في قراءته سآمة أو مللًا، و (القاسمي) ليس بدعًا في هذا، فنحن مثلًا لا ننسى (إتقان السيوطي)، وأقرب منه (حاشية العلامة الجمل) على تفسير الجلالين رحمهم الله، ولم نبتعد


الصفحة التالية
Icon