فالأستاذ الإمام -رحمه الله- يرى أن طريقة السلف لا تتصادم مع طريقة الخلف بل تجتمعان، فهو يسلم ويفوض، ومن جهة أخرى يفهم الآيات على طريقة التأويل ليحمل عليها فائدة.
وههنا لا بد من إيضاح أمر وهو أنه قد شاع وجود طريقتين في فهم الصفات الخبرية: طريقة السلف وطريقة الخلف، فمن تبع الأولى تبرأ من الثانية، ومن تمسك بالثانية خالف الأولى، وهذا كلام يخلو من الدقة، إذ إن الطريقتين قد أخذ من معينهما السلف، فكما أن الإثبات والتفويض والتسليم نهج قد اتبعوه، فكلذلك التأويل قد سار عليه كبار الصحابة والتابعين ولذا لا يصح ألبتة أن ينسب إلى السلف طريقة ومذهب ويسلب عنه الآخر.
وفوّض وسأكتفي بإيراد مثال واحد على التفويض في شأن الملائكة، لأنني سأناقش بعض تأويلاته لاحقًا إن شاء الله.
يقول عند تفسيره لقول الله عز وجل: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ﴾ [الانفطار: ١٠ - ١١]: "ومن الغيب الذي يجب علينا الإيمان به، ما أنبأنا به في كتابه، من أن علينا حفظة يكتبون أعمالنا حسنات وسيئات. ولكن ليس علينا أن نبحث عن حقيقة هؤلاء ومن أي شيء خلقوا، وما هو عملهم في حفظهم وكتابتهم. هل عندهم أوراق وأقلام ومداد كالمعهود عندنا، وهو ما يبعد فهمه، أو هناك ألواح ترسم فيها الأعمال، وهل الحروف والصور التي ترسم هي على نحو ما نعهد، أو إنما هي أرواح تتجلى لها الأعمال، فتبقى فيها بقاء المداد في القرطاس، إلى أن يبعث الله الناس. كل ذلك لا نكلف العلم به، وإنما نكلف الإيمان بصدق الخبر، وتفويض الأمر في معناه إلى الله. والذي يجب علينا اعتقاده من جهة ما يدخل في علمنا، هو أن أعمالنا تحفظ وتحصى، ولا يضيع منها نقير ولا قطمير) (١).