بالشيء يسأل عن حكم الله فيه، فيجاب بأن الله تعالى قال كذا، أو جرت سنّة نبيه على كذا، فإن لم يكن عند المسؤول فيه هدى كتاب أو سنة، ذكر ما جرى عليه الصالحون، وما يراه أشبه بما جاء في هذا الهدى أو أحال على غيره.
ولما تصدى بعض العلماء في القرن الثاني والثالث لاستنباط الأحكام، واستخراج الفروع من أصولها، ومنهم الأئمة الأربعة -كانوا يذكرون الحكم بدليله، على هذا النمط، فهم متفقون مع الصحابة والتابعين (عليهم الرضوان) على أنه لا يجوز لأحد أن يأخذ بقول أحد في الدين، ما لم يعرف دليله ويقتنع به، ثم جاء من العلماء المقلدين في القرون الوسطى (١)، من جعل قول المفتي للعامي بمنزلة الدليل، مع قولهم بأنه لو بلغه الحديث فعمل به كان كذلك أو أولى. ثم خَلفَ خَلفٌ أعرق منهم في التقليد، فمنعوا كل الناس أخذ أي حكم من الكتاب والسنة، وعدوا من يحاول فهمها والعمل بها زائغًا. وهذه غاية الخذلان وعداوة الدين، وقد تبعهم الناس في ذلك فكانوا لهم أندادًا من دون الله، وسيتبرأ بعضهم من بعض كما أخبر الله) (٢).
ثم نقل الأستاذ عن الأئمة الأربعة رضي الله عنهم، النهي عن الأخذ بقولهم من غير معرفة دليلهم، والأمر بترك أقوالهم لكتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، إذا ظهرت مخالفة لهما أو لأحدهما. وبعد ذلك يواصل استعراض مواقف المتأخرين، فيقول (وهناك قول آخر للمتأخرين مبني على أن الأمة جاهلة لا تعرف من الدين شيئًا لا من أصوله ولا من فروعه، ولا سبيل إلى تكفير هؤلاء المنتسبين إلى الإسلام، ولا إلى إلزامهم معرفة العقائد الدينية من دلائلها، والأحكام الشرعية بادلتها وعللها. فلا مندوحة إذن عن القول
(٢) المنار (٢/ ٨١ - ٨٤)، وهذا لا يخلو من غلو ومبالغة.