إن إقرارنا بأن الأستاذ الإمام قد تأثر بمدرسة المعتزلة، لا يعني أنه كان معتزليًا، ولا يعني كذلك أنه كان من أعيان مفسري المعتزلة، ولذا فليس من المقبول أن نعدّه من المعتزلة.
إن تأثر الأستاذ بمدرسة الاعتزال يبدو في أكثر من مظهر، ويتضح في أكثر من وجه، وللتعرف على تلك المظاهر أورد الأمور التالية:
أولًا: الصبغة العقلية في تفسيره وتركه بعض المأثور في كثير من المواضع.
ثانيًا: تأثره في بعض مواضع التفسير بابن بحر (١).
ثالثًا: مسألة السحر وما يتصل بها.
أولًا: الصبغة العقلية:
إن ما يقرره الأستاذ في كثير من المواضع، يلمح القارئ فيه تحكيم العقل، مع أن ذلك يبدو مخالفًا لما صح من المأثور، كما نرى ذلك واضحًا في تفسيره لسورة الفاتحة. حيث يقول: (وإني أرجح أنها أول ما نزل على الإطلاق، ولا أستثني قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾) ثم يعلل ذلك تعليلًا يبدو مقبولًا لأول وهلة من الوجهة العقلية، حيث يقول: (ومما يدل على ذلك أن السنة الإلهية في هذا الكون، سواءً كان كون إيجاد، أم كون تشريع، أن يظهر سبحانه الشيء مجملًا، ثم يتبعه التفصيل بعد ذلك تدريجيًا. وما مثل الهدايات الإلهية إلا مثل البذرة والشجرة العظيمة فهي في بدايتها مادة حياة تحتوي على جميع أصولها، ثم تنمو بالتدريج حتى تبسق فروعها بعد أن تعظم دوحتها، ثم تجود عليك بثمرها. والفاتحة مشتملة

(١) هو محمد بن بحر الأصفهاني، المعروف بأبي مسلم، معتزلي، كان عالمًا بالتفسير وبغيره من صنوف العلم، له كتاب (جامع التأويل في التفسير) في أربعة عشر مجلدًا، جمع سعيد الأنصاري نصوصًا وردت منه في تفسير الرازي، سماه (ملتقط جامع التأويل لمحكم التنزيل) وقد حفظ لنا الرازي -رحمه الله- تلك النصوص التفسيرية، بما لا نجدها عند غيره، توفي أبو مسلم (٣٢٢ هـ).


الصفحة التالية
Icon