﴿وَالْفَجْرِ (١) وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾، حيث فسر الفجر بأنه جنس لتنفس النهار الذي يطرد الليل. والليالي العشر بأنها الليالي التي يغالب ضوء القمر فيها الظلمة (١)، وهو تفسير عقلي، على أن بعض المفسرين السابقين ذكر ما هو قريب من هذا (٢).
وعند تفسيره لقول الله تعالى: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ [القدر: ٣] يقول: إنها خير من ألف شهر، لأنه قد مضى على الأمم آلاف الشهور وهم يختبطون في ظلمات الضلال، فليلة يسطع فيها نور الهدى، خير من ألف شهر من شهورهم الأولى... ) (٣).
واختصارًا لما سبق أقول: نحن لا ننكر على الأستاذ تفسيره ما دام لم يرد فيه أثر ثابت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فالتفسير العقلي تفسيران: تفسير خالف المأثور كما مثلنا له في أول ما نزل، وتفسير لم يخالف المأثور بحيث يلغيه وينحيه، بل يزيد في بيانه كما رأينا في تفسيره الليالي العشر، وعليه فالنوع الأول يرد ولا يقبل؛ لما تقرر في أصول التفسير من أن التفسير بالمأثور يقدم على غيره إذا كان صحيحًا، والنوع الثاني يقبل ما دام في حدود اللغة والسياق إذا كان فيه إغناء للمعنى.
ثانيًا [*]: تأثره بأبي مسلم:
إن تأثر الشيخ بأبي مسلم، وهو مفسر من مفسري المعتزلة، واضح المعالم في مواضع كثيرة. فعند تفسير قول الله تعالى: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾ [البقرة: ١٠٦]، يقول: (والمعنى الصحيح الذي يلتئم مع السياق إلى آخره، أن الآية هنا هي ما يؤيد الله تعالى به الأنبياء من الدلائل على نبوتهم. أي ما ننسخ من آية نقيمها دليلًا على نبوة نبي من الأنبياء، أي نزيلها ونترك تأييد نبي آخر بها، أو ننسها الناس لطول العهد بمن جاء بها، فإننا بما لنا من القدرة الكاملة

(١) تفسير جزء عم ص ٧٧.
(٢) تفسير الطبري (٣٠/ ١٠٧).
(٣) تفسير جزء عم ص ١٣٠.
[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: في المطبوع (ب)


الصفحة التالية
Icon