والتصرف في الملك، نأتي بخير منها، في قوة الإقناع وإثبات النبوة، أو مثلها في ذلك) (١) وهذا نفس ما ذهب إليه ابن بحر حيث عد الآية هي الرسالة، كما نقله عنه الرازي وغيره (٢).
لكن من الإنصاف هنا أن نذكر أن الأستاذ لم يسر مع أبي مسلم في إنكاره النسخ بل إنه أثبته ولكن لا بهذه الآية، وإنما بآية أخرى وهي قول الله تعالى: ﴿وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ﴾ وهذا موطن غرابة كذلك. فإن آية النحل التي أثبت بها النسخ مكية باتفاق، ولم يكن نسخ حين ذلك. فسياق آية النحل يقضي بأن يكون المراد بها الرسالة، ويؤيد هذا ﴿قَالوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (١٠١) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ﴾ [النحل: ١٠١ - ١٠٢] وليس هذا موطن تفصيل هذا الموضوع، فمن أراده فلينظر في كتابنا (إتقان البرهان).
وعند تفسير قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ [النساء: ٣٣]: يقول بأن المراد بـ (عقدت أيمانكم) عقد النكاح، وهذا ما ذهب إليه أبو مسلم -رحمه الله- (٣).
ثالثًا: مسألة السحر بعامة وسحر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخاصة:
والسحر أحد الأمور الكثيرة التي احتدم فيها الجدل بين العلماء وبخاصة أهل السنة والمعتزلة. فبينما يقول أحدهم أن للسحر حقيقة ووجودًا يقول آخرون أنه لا حقيقة له، وإنما هي حيل وشعبذات وتمويهات. وكتب التفسير وكتب الكلام غنية بأدلَّة كل من الفريقين ورد كل فريق على الآخر.
والذي يهمنا هنا هو أن نتعرف رأي الإمام في هذه المسألة، فعند تفسيره لقول الله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ [البقرة: ١٠٢] يبين

(١) المنار (١/ ٤١٧).
(٢) التفسير الكبير (٣/ ٢٢٩).
(٣) التفسير الكبير للرازي (١٠/ ٨٥، ٨٦).


الصفحة التالية
Icon