معنى السحر ومادته اللغوية، ثم يقول... (ومجموع هذه النصوص يدل على أن السحر إما حيلة وشعوذة، وإما صناعة علمية خفية يعرفها بعض الناس ويجهلها الأكثرون، فيسمون العمل بها سحرًا، لخفاء سببه ولطف مأخذه. ويمكن أن يعد منه تأثير النفس الإنسانية في نفس أخرى لمثل هذه العلة. وقد قال المؤرخون: إن سحرة فرعون، قد استعانوا بالزئبق على إظهار الحبال والعصي، بصور الحيات والثعابين وتخييل أنها تسعى) (١).
وعند تفسيره لقول الله تعالى: ﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾ [الفلق: ٤] يتكلم عن معنى النفث والعقد، ويبين أن المقصود بهذا إنما هم النمامون (ثم يتعرض لما قيل في سحر النبي عليه وآلة الصلاة والسلام فيقول:
(ولا يخفى أن تأثير السحر في نفسه عليه السلام، حتى يصل به الأمر إلى أن يظن أنه يفعل شيئًا، وهو لا يفعله. ليس من قبيل تأثير الأمراض في الأبدان، ولا من قبيل عروض السهو والنسيان في بعض الأمور العادية، بل هو ماس بالعقل آخذ بالروح، وهو مما يصدق قول المشركين فيه ﴿إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا﴾ [الإسراء: ٤٧] وليس المسحور عندهم إلا من خولط في عقله، وخيل له أن شيئًا يقع، وهو لا يقع فيخيل إليه أنه يوحى إليه ولا يوحى إليه. وقد قال كثير من المقلدين الذين لا يعقلون ما هي النبوة، ولا ما يجب لها: إن الخبر بتأثير السحر في النفس الشريفة قد صح فيلزم الاعتقاد به. وعدم التصديق به من بدع المبتدعين، لأنه ضرب من إنكار السحر. وقد جاء القرآن بصحة السحر. فانظر كيف ينقلب الدين الصحيح والحق الصريح، في نظر المقلد بدعة نعوذ بالله، يحتج بالقرآن على ثبوت السحر، ويعرض عن القرآن في نفيه السحر عنه -صلى الله عليه وسلم-. ويستمر في شرح هذه المسألة، فيبين أن القرآن مقطوع به، فلا ينبغي أن يعدل عنه، وأن الحديث على فرض صحته فهو آحاد، لا يؤخذ به في العقائد أولًا، وهو يفيد الظن ثانيًا).