أتى بمثالين، قوله تعالى في سورة الفاتحة: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)﴾ [الفاتحة: ٤] وقوله تعالى: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ [المائدة: ٦] (١).
الشمولية:
يعرف كل إنسان أن القرآن يقول بتقديمه الهداية للإنسانية كلها، لكن ما إنْ يقرأه يجده موجّهًا في أساسه إلى العرب الذين كانوا يعاصرون نزوله، فهو يناقش الأشياء التي يألفها ذوق العرب، وهذا يجعل المرء يتساءل: إذا كان القرآن الكريم موجّهًا للبشرية فلماذا يضم بين سوره عديدًا من العناصر المحلية والقومية المرتبطة بوقت نزوله؟
علينا أن نتفحص المسألة عن كثب، وببصيرة متقدة، ثم نقرر ما إذا كانت دعوة القرآن مقصورة على كفار الجزيرة وحدهم أم لا؟ وما إذا كانت دعوته تشكل حقيقة تنطبق وكل زمان ومكان أم لا؟ فإن جاءت الإجابة بالقبول والإيجاب فليس هناك ما يدعو لضرورة وصف هذا الوحي العام والتنزيل الشامل بأنه محلي مؤقت بحجة واهية هي أنه يخاطب مجتمعًا خاصًّا في فترة خاصة.
ونحن لا نعرف فلسفة ولا منهج حياة قط في العالم تفسر وتشرح كل شيء من مبدئه إلى منتهاه بالنظر والتجريد دون أن تشير إلى حالات خاصة أو تستدل بأمثلة وشواهد، إذ من المستحيل -بداهة- أن يتأسس نموذج للحياة على أساس النظر وحده.
وفوق هذا، فإن من المجدي لبدء أي حركة فكرية -جعلت لتكون عالية- أن تحقق مبادئ حركتها وتبرهن على صلاحيتها وكفاءتها، وهذا بالطبع سوف يجذب أممًا أخرى فتدرس مبادئ هذه الحركة ليشرعوا من بعد في تطبيقها بينهم (٢).
(٢) ينظر: المرجع السابق، ص ٢٣ - ٢٤.