فالذي نلاحظه من تحديد مفهوم كلمتي ﴿مُحْكَمَاتٌ﴾ و ﴿مُتَشَابِهَاتٌ﴾ عند السيد دروزة، أنه يحاول أن لا يقف فيهما عندما ورد من أقوال العلماء، بل تجده جمع بين أكثر هذه الأقوال، وأضاف إليها من عنده، ورد بعضها الآخر الذي لا يجد فيه وجاهة رأي، كما يزعم ويعرف القرآن بعد ذلك بأنه "محتوٍ نوعين من المجموعات والفصول، واحد محكم أساسًا وجوهرًا، وآخر بمثابة الوسائل والتدعيم، يحتمل أن يكون بأساليب تشبيهية وتمثيلية وترغيبية وقصصية وتذكيرية وحجاجية وتنويهية وتأنيبية وما في نطاق الغيبيات، ويحتمل أن تتعدد وجوه تأويله" (١).
والذي يلفت الانتباه أن الأستاذ دروزة -رحمه الله- الذي يعتمد في تفسيره على ما وجده في خزانة الآستانة من كتب التفسير، لم يحط علمًا بجميع أقوال العلماء، ويزعم أنه لم يجد من أقوالهم موافقًا لهذا التقسيم للمحتوى القرآني، فنجده يقول: "وفي هذا فيما نعتقد قول حاسم يجب الوقوف عنده، وفيه بسبيل التعريف بالقرآن ما فيه، من قوة وروعة وحكمة وتلقين، ونسأل الله أن يكون فيما نقرره الصواب والسداد ونستغفره إن كنا مخطئين" (٢).
هذا وعند تناوله لآيات المتشابه، نجده ينوه بجدارة الأخذ برأي السلف من أهل السنّة "وهو عدم البحث والجدل في الماهية والكيفية، مع تنزيه الله سبحانه عن الجسمانية والجهة والحدود، والحاجة إلى أي شيء، والمماثلة لخلقه في أي شيء، عملًا بالضابط القرآني المحكم، هو ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١] " (٣). ويذكر أن الألفاظ والصفات التي تنسب إلى الله سبحانه: الأعضاء الجارحة والحواس ووظائفها، من المواضيع الجدلية بين علماء الكلام. ويرى في إثبات بعضهم الجارحة لله سبحانه، تزيدًا في التأويل لا يحتمله سياق الآيات القرآنية وروح التعبير فيها،

(١) التفسير الحديث، ج ٨، ص ٧٨.
(٢) التفسير الحديث، ج ٨، ص ٧٨.
(٣) التفسير الحديث، ج ١، ص ٥٦.


الصفحة التالية
Icon