لتوشيج العلاقات بينهم ليل نهار، فنتج عن هذا أن تأثروا بهم كثيرًا كما يتأثر الشعب الجاهل المتخلف عادة بجيرانه الذين يفوقونه ثقافةً وتحضرًا وتدينًا" (١).
ثم بيّن أبو الأعلى أن العرب حين أُخبِرت بنبوة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- توجهوا لسؤال اليهود، غير أن علماء اليهود لم يجيبوهم إجابة شافية صحيحة، بل جنحوا إلى اختلاق الشبهة تلو الشبهة حول الرسول وصحابته، وراحوا يلفقون الأكاذيب والأقاويل، ولهذا السبب صدر الأمر إليهم من الله ألا يكتموا الحق بإخفائه في ثوب الباطل، ونشر الشكوك والريب حوله، وإثارة الاعتراضات السخيفة ضده، وخلطه بالضلال والبهتان.
وهذه السمة بارزة في كتابه رحمه الله، وهو في بعض المواضع يتوسع كثيرًا في الحديث عما يحيط الآيات من ظروف تعين على الوقوف على معناها بشكل أفضل مما لو أن القارئ لم يطلع عليها، انظر مثلًا ما قاله عند قوله تعالى: ﴿يَابَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [البقرة: ١٢٢] (٢).
عنايته بأسباب النزول:
ولم يُغفل بالطبع أسباب النزول، لما لمعرفتها من إسهام في فهم الآية، فقد كان يذكر بعضها، لكن دون التصريح بأن ما ذكره سبب نزول للآية، ودون الاستعانة بروايات السنّة، فعند قوله تعالى: ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ... ﴾ [البقرة: ١٤٢]، قال: "حين تحولت القبلة إلى المسجد الحرام راح السفهاء الذين لم تكن لديهم البصيرة التي يفهمون بها المعنى الحقيقي لهذا التحويل، يثيرون اعتراضات ومزاعم يبلبلون بها فكر المؤمنين، وظنّوا -لحُمقهم وغبائهم- أن الله قد تحدد مكانه في اتجاه معين (هو بيت المقدس)، وأن

(١) المرجع السابق، ٦٩.
(٢) ينظر: المرجع السابق، ص ٩٧ - ٩٩.


الصفحة التالية
Icon