تفسير سورة النور
وعلى كثرة الفوائد المتناثرة في كتاب "تفهيم القرآن"، وعلى قيمته العلمية الكبيرة إلا أن (تفسير سورة النور للأستاذ المودودي لا يقل عن سابقه من حيث القيمة والأهمية، غير أن اختلافًا واضحًا في المنهج يظهر عند المقارنة بين الكتابين، فتفسير سورة النور أكثر تحليلًا للآيات من (تفهيم القرآن)، لذلك فنحن نلاحظ أن تفسير سورة النور وحدَها قد شغل حيزًا يقارب ذلك الذي شغله تفسير السور الثلاث مجتمعة (١).
توسعه في المسائل الفقهية:
اعتنى المؤلف بشكل واضح في المسائل الفقهية في هذا الكتاب، فهو يتوسع فيها ويستطرد، فيعرض جميع المسائل والفروع التي لها علاقة بموضوع الآية ويفصِّل في الخلافات الفقهية، حتى إنه بالإمكان تصنيف هذا التفسير ضمن التفاسير الفقهية، فقد عالج كل ما يتعلق بزينة المرأة ومخالطتها للرجال، وأحكام الأسرة، وكان يرجح -في الغالب- ويبدي رأيه، وكما يتوسع تأصيل بعض المسائل تشريعيًا، كذلك يؤصلها تاريخيًا وفكريًا، للإعانة على فهم الآيات، ففي الآية الثانية من السورة، وهي قوله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي... ﴾ [النور: ٢] قبل أن يشرع بتفسيرها شرع بتفصيل بعض المسائل التي لا بد من معرفتها لفهم الآية الكريمة، وجعلها في خمس وعشرين مسألة في ما يقارب الخمسين صفحة (٢)، بدأ ببيان إجماع الشرائع القديمة والحديثة على حرمة الزنا، واختلافها في اعتبار الزنا جريمة مستلزمة للعقوبة، وختم ببيان عقوبة الزاني بمحرماته، وما ورد فيه من خلاف بين

(١) أي: الفاتحة، والبقرة، وآل عمران.
(٢) ينظر: تفسير سورة النور، أبو الأعلى المودودي، تعريب: محمد عاصم الحداد، ص ٣٢ - ٨١، مؤسسة الرسالة.


الصفحة التالية
Icon