الذي يعيش فيه من المفاسد الأخلاقية، التي لاستئصالها وإغلاق بابها أنزل الله تعالى هذه الأحكام التفصيلية المحكمة في كتابه، وأكدها الرسول -صلى الله عليه وسلم- في السنّة بمثل ما بيناه آنفًا، أو يخالفها -إن كان لا يستطيع الارتداع عن مخالفة كلها أو بعضها لضعف في نفسه- معترفًا بذنبه على الأقل، وبدون أن يأتي بالتأويلات الفاسدة لإثبات الذنب ثوابًا. أما الذين يعدلون عن هاتين الصورتين، ولا يكتفون باختيار طرق الحياة الاجتماعية الغربية مخالفين في ذلك أحكام الكتاب والسنّة الواضحة الصريحة، بل يبذلون جهودهم المستطاعة لإثباتها من صميم الإسلام، ويدّعون علنًا أن الإسلام ليس فيه حكم لحجاب المرأة أصلًا، فإنهم يضيفون الجهل والتمادي في الضلال إلى مخالفتهم الشريعة ومعصيتهم أحكامها، مما لا يكاد ينظر إليه أحد بنظر التقدير والاستحسان في الدنيا، ولا يرجى ذلك من الله تعالى الآخرة... " (١) إلخ كلامه.
موقفه من المسائل البيانية:
وكان للأستاذ أبي الأعلى بعضُ اهتمامٍ بالإشارة إلى النكت البيانية، وقد بدأ تفسيره بها، ببيان حسن الاستهلال في السورة الكريمة، حيث قال عند أول آية: ﴿سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا... ﴾: "إن من الجدير بالملاحظة بصفة خاصة في جملة ﴿سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا﴾ من هذه الآية توكيد الله تعالى لكلمة (نا)، وهو مما يشير إلى أن ليس مُنزل هذه السورة بناصح ضعيف لا حيلة له، ولا قوة، بل هو الذي بيده نفوسكم ومقاديركم، وليس لكم أن تعجؤوه وتفلتوا من مؤاخذته في الحياة ولا بعد الممات، فلا تحسبوا هذه السورة كلامًا هينًا ككلام أحد منكم" (٢).
(٢) المرجع السابق، ص ٣١.