آخر، فإنْ أعياه ذلك طلبه من السنّة، فإنها شارحة للقرآن موضحة له، فإن لم يجده من السنة رجع إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرائن والأحوال عند نزوله، وكذلك الآثار الواردة عن التابعين، وإن كان العلماء قد اختلفوا في وجوب الأخذ بها.
اهتم الشيخ سعيد - رحمه الله - بهذا الجانب، فالأحاديث والآثار تشغل مساحة كبيرة في تفسيره الأساس، فهو دائم الاستشهاد بها، ودائم الاستعانة بها للتوضيح والبيان.
ومن الملاحظ أنه غالبًا ما يحذف السند، فنراه عندما يستشهد بحديث مرفوع إلى النبي - ﷺ - لا يذكر إلا الصحابي راوي الحديث، كما يذكر من أخرجه من أصْحاب كتب السنّة، فمثلًا يقول في تفسير آية القصاص: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى﴾ [البقرة: ١٧٨]: "روى الإمام أحمد عن أبي شريح الخزاعي أن النبي - ﷺ - قال: "من أصيب بقتل أخيه، فإنه يختار إحدى ثلاث: إما أن يقتص، وإما أن يعفو، وإما أن يأخذ الدية، فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه، ومن اعتدى بعد ذلك فله نار جهنم خالدًا فيها"، وعن سمرة قال: قال رسول الله - ﷺ - "الا أُعافي رجلًا قتل بعد أخذ الدية"" (١).
وكذلك عندما يستشهد بأقوال الصحابة والتابعين، نجده ينسب القول إليهم مباشرة، وغالبًا يذكر من أخرجه، من ذلك ما جاء في تفسير قوله تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (٣٨)﴾ [الأنعام: ٣٨] حيث ذكر قولين لمعنى الحشر، القول الأول: ما أخرجه ابن أبي حاتم، وابن جرير عن ابن عباس قال: "موت البهائم حشرها" (٢).

(١) الأساس، ١/ ٣٩٩.
(٢) الأساس، ٣/ ١٦٢٥.


الصفحة التالية
Icon