هذا مثال ما جاء عن الصحابي، أما ما جاء عن التابعي، فمثاله ما أورده عند تفسير قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: ٣]، قال: قال أبو العالية في تفسير الإيمان بالغيب: "الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وجنته وناره ولقائه، ويؤمنون بالحياة بعد الموت وبالبعث" (١).
وهو حين يورد هذه الأحاديث والآثار نجده أحيانًا يعقب عليها ويذكر درجتها من الصحة، وأحيانًا يغفل ذلك، ومن الأول قوله: روى الإمام أحمد... عن عبد الملك بن سعيد بن سويد الأنصاري، قال: سمعت أبا حميد وأبا أسيد يقولون عنه - ﷺ - أنه قال: "إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم، وتلين له أشعاركم وأبشاركم، وترون أنه منكم قريب فأنا أولاكم به، وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم، وترون أنه منكم بعيد، فأنا أبعدكم منه"، ثم عقب على ذلك بقوله: إسناده صحيح (٢).
ومن الثاني: ما روي عن عثمان -رضي الله عنه - أن رسول الله - ﷺ - قال: "إن الجماء لتقتص من القرناء يوم القيامة" (٣)، ولقد ذكر هذا الحديث عند تفسيره للآية (٣٨) من سورة الأنعام، ولم يعقب عليه بتصحيح أو تضعيف، في حين نجده يردّ بعض الروايات الضعيفة والموضوعة، من ذلك ردّه رواية الغرانيق، قال عند قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ﴾ [الحج: ٥٢]: "يذكر المفسرون قصة الغرانيق، ثم يحاولون تعليلها أو توجيهها، مع أن المحدثين يردونها من أساسها، حتى ألّف بعضهم رسائل مستقلة في إبطالها ومن ثم فإننا لن نذكرها، ولن نتكلف للرد عليها ما دام أصلها غير ثابت، ولعلنا نتعرض لها في كتاب "الأساس في السنّة"، ولعل من
(٢) الأساس، ٥/ ٢٥٩٦.
(٣) ٣/ ١٦٢٥، والجماء هي التي لا قرن لها.