أي قد جمع هذه الأشياء. فهذه أربعةُ أوجه في الرفع، ويجوز أن يُنصب على الحال من ﴿الْكِتَابُ﴾، والعامل فيه معنى الإشارة الحاصل من ﴿ذَلِكَ﴾، أو من الضمير الذي في الظرف، والعامل فيه معنى الاستقرار الحاصل من الظرف، أو الظرف نفسه، والهدى: مصدر على (فُعَلٍ) كالتُّقَى، والسُّرَى، وألفه منقلبة عن ياء بدلالة قولهم: هُدَيان، وَهَدَبْتُ. ويكون في الأحوال الثلاث على حالٍ واحدةٍ، لأنه مقصور، والمقصور لا يدخله شيء من إعراب، فإن قلت: ما معنى المقصور؟ قلت: قيل: فيه وجهان:
أحدهما: أن يكون من قَصْر الصلاة، لأجل أنه ناقص عن الممدود، كما أن صلاة السفر ناقصة عن الحد المعروف.
والثاني: أن يكون من قَصَرْتُ، أي: حبست، فكأنه مُنع أن يبلغ زِنَةَ الممدود، والوجهان متقاربان، لأن قصر الصلاة: هو منعها عن أن تبلغ الكمال فعلًا، وإن كانت كاملة من جهة الجواز.
والهُدى: الدلالة الموصلة إلى البغية، بدليل وقوع الضلالة في مقابلته، قال الله عز وجل: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى﴾ (١).
وقوله: ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ اللام متعلقة بمحذوف، أي هُدًى ثابتٌ أو ثابتًا على وجهي الرفع والنصب المذكورين فيه، أو بِهدًى لكونه مصدرًا، والمصدر يعمل عمل الفعل.
وواحد المتقين: المتقي، وهو اسم فاعل من قولهم: وقاه فاتقى، فاللفظ مأخوذ من وقى، وفعله اتقى، ففاءُ الفعل واو، ولامه ياء، والأصل: الموتقي، فقلبت الواو تاء وذلك لأمرين:
أحدهما: أن الواو كان يدركه قلب في قولهم: ايتقي، ويا تقي، فلما
(١) سورة البقرة، الآية: ١٦.