جل ذكره: ﴿فَمَا آمَنَ لِمُوسَى﴾ (١)، قيل: وبين التعديتين فرق، وذلك أن التعدية باللام في ضمنها تَعَدٍّ بالباء يُفهم من المعنى.
وهو مصدر بمعنى الغائب، أي: يؤمنون بالغائب عنهم مما أخبرهم به رسول الله - ﷺ - من أمر البعث والنشور والحساب، والوعد والوعيد وغير ذلك، وكل ما غاب عنهم مما أنبأهم به فهو غَيْبٌ، وسمي الغائب بالغيب، كما سمي الشاهد بالشهادة، قال الله تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ (٢) والصائم بالصوم، والزائر بالزور. والغيبُ هنا ما كان غائبًا عن العيون، حاصلًا في القلوب عند من وفقه الله تعالى.
وقيل: يجوز أن يكون بمعنى المفعول، كقوله تعالى: ﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ﴾ (٣)، أي: مخلوقه، وهذا درهمٌ ضَرْبُ الأمير، أي: مَضرُوبُه وهو سَهْوٌ، لأن فعله لازم عارٍ من أسباب التعدي، ولو ضَعَّفَ العين لخالف اللفظَ واحتاج إلى النقل فيه أو فيما يضاهيه، إذ الإقدام على مثله لا يكون إلا بما ذكرتُ.
ويجوز ألا يكونَ ﴿بِالْغَيْبِ﴾ صلةً للإيمان، وأن يكون في موضع الحال، أي: يؤمنون غائبين عن المؤمن به، وحقيقتُه: ملتبسين بالغيب، كقوله: ﴿الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ﴾ (٤)، أي: يخشون ربهم غائبين عن أعين الناس، لا يريدون بإيمانهم تصنعًا لأحدٍ، ولا تقربًا إليه، ولكن يخلصون إيمانهم لله، وقوله: ﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾ (٥)، وقوله: ﴿وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ﴾ (٦) أي: ملتبسًا به.
قوله: ﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ﴾ أصل يقيمون: (يُؤَقْوِمُون)، لأن ماضيه
(٢) سورة الرعد، الآية: ٩.
(٣) سورة لقمان، الآية: ١١.
(٤) سورة الأنبياء، الآية: ٤٩.
(٥) سورة يوسف، الآية: ٥٢.
(٦) سورة يس، الآية: ١١.