الكلام كالشرط، وإنما كان كذلك لأن أصل الاستفهام أن يكون بالحروف، وصيغةُ الاسم على معناه فَرْعٌ على ذلك، فَكما لا يجوز أن تقول: زيد عندك هل، وضربتَ زيدًا أَ، تُريد هل زيد عندك؟ وأَضربتَ زيدًا؟ لأن الحروف تجيء لإفادة المعاني في الأسماء والأفعال، فلا تأتي بعدَ تَقَضِّي ذِكْرِ الاسمِ والفعل، كذلك ما يصاغ من الأسماء على معانيها يقع في مواقعها، فلا تقول: عندك ما، كما لا تقول: زيد في الدار أم في المسجد، بل تقول: ما عندك؟ وأفي الدار زيد أم في المسجد؟ لما ذكرتُ، فاعرفْهُ.
ويُسأل بها عن أعيان ما لا يعقل وأجناسه وأنواعه وصفاته، وعن أجناس العقلاء وأنواعهم وصفاتهم، يقول لك القائل: ما عندك؟ فتقول: ثوب، أو قلم، أو طائر، أو إنسان، أو رجل، أو غلام، أو امرأة، أو جارية، أو قارئ، أو كاتب، وما أشبه هذا، ولا تقول: زيد أو عمرو، لأنه لا يسأل بها عن أعيان العقلاء، قال الله تعالى: ﴿مَا هِيَ﴾ (١) و ﴿مَا لَوْنُهَا﴾ (٢) و ﴿مَا وَلَّاهُمْ﴾ (٣)، ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى﴾ (٤). فإن أقمت (ما) مقام (مَن) كما تقوم الصفة مقام الموصوف، جاز أن تقول: زيد أو عمرو.
وبعد.. فإن الاستفهام هو طلب الإفهام إذا وقع ممن لا يَعلمُ، فإذا وقع ممن يَعلمُ فهو مُوبِّخ، أو مُقَرِّرٌ، أو مُبَكِّت. وكل ما جاء في القرآن مما يتعلق بالقديم سبحانه بلفظ الاستفهام، فهو على هذه الوجوه يُتأول، كقوله عز وجل: ﴿أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ﴾ (٥)، إنما يُوَبِّخُ قَوْمَ عيسى عليه السلام، ويكذبهم فيما ادعوه، لأن عيسى عليه السلام لم يقل ذلك، وقال تعالى: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى﴾ (٦)، إنما يقرر ما في يده، وما أشبه هذا، فاعرفه.
والرابع: أن تكون تعجبًا نحو: ما أحسنَ زيدًا! وما أكرمَ عَمْرًا! وفي

(١) سورة البقرة، الآية: ٧٠.
(٢) سورة البقرة، الآية: ٦٩.
(٣) سورة البقرة، الآية: ١٤٢.
(٤) سورة طه، الآية: ١٧.
(٥) سورة المائدة، الآية: ١١٦.
(٦) سورة طه، الآية: ١٧.


الصفحة التالية
Icon