التنزيل: ﴿فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ﴾ في البقرة (١)، و ﴿مَا أَكْفَرَهُ﴾ في الصاخّة (٢)، ولا ثالثَ لهما في القرآن إلا ما روي عن سعيد بن جبير من قراءته: ﴿مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ في الانفطار (٣)، فإنَّ (ما) على قراءته تكون للتعجب، و (ما) هذه في موضع رفع بالابتداء، وما بعدها خبرها، وهي خبرية أيضًا، إلا أنه لا صلة لها ولا صفةً، وإنما لم تُوْصَلْ، لأن التعجب من مواضع الإبهام والبعد من الوضوح والبيان، ألا ترى أنك إذا قلت: ما أحسنَ زيدًا، إنما تتعجب من حسنه، لجهلك بسبب الحسن، فلو جعلت لـ (ما) في التعجب صلةً أزلتها عن أصلها الذي هو الإبهام، لأن الصلة توضّحُ الموصول وتخصصهُ، وإذا كان كذلك، وجب أن يكون (ما) في قولك: ما أحسن زيدًا اسمًا مجردًا من الصلة والصفة.
وقال الخليل رحمه الله في تمثيله: إنه بمنزلة قولك: شيءٌ أحسنَ زيدًا (٤). فشيءٌ مبتدأ، وأحسن فعل ماضٍ منقول بالهمزة من حَسُن، كما تقول: ذهب وأذهبتُه، في موضع الخبر.
فأما ما ذهب إليه أبو الحسن من أن (ما) في التعجب خبرية بمعنى الذي، وأن ما بعدها صلة لها، وأنها مع صلتها في موضع رفع بالابتداء، والخبر محذوف، والتقدير: الذي أحسن زيدًا شيء (٥). فإنه مذهب ضعيف لأمرين:
أحدهما: ما ذُكر من أن التعجب من مواضع الإبهام، فالنكرة به أليق، وذلك إذا جعلت (ما) بمنزلة شيء، وإذا جعلته بمنزلة (الذي) كان معرفة.

(١) الآية: ١٧٥.
(٢) الصاخة (عبس) (١٧).
(٣) من قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ [الانفطار: ٦] وانظر هذه القراءة في المحتسب ٢/ ٣٥٣ وذكر أنها على التعجب. وتأتي في موضعها إن شاء الله.
(٤) ذكره عنه: سيبويه ١/ ٧٢.
(٥) انظر معاني الأخفش ١/ ١٦٦، وأشار إليه أبو حيان ١/ ٤٩٤ وابن هشام في المغني عند الحديث عن (ما) بمعنى التعجب.


الصفحة التالية
Icon