والثاني: أن من شرط الخبر أن يفيد ما لا يفيده المبتدأ، وإذا كان تقدير (ما أحسنَ زيدًا) الذي أحسنَ زيدًا شيءٌ، لم يكن في قولك: (شيءٌ) فائدة لم تُعْلَمْ قبلُ؛ لأن الذي جعل زيدًا حسنًا شيءٌ لا محالة، ولا يلزم هذا الخليلَ، لأن معنى التعجب دخل في قولك: ما أحسن زيدًا، ولم يدخل في قولك: شيء أحسن زيدًا، فقد يتفق معنى اللفظين في الأصل، ثم يستعمل أحدهما لمعنىً والآخر لمعنىً، ألا ترى أن شَهِد وحَضَر بمعنىً واحدٍ، فإذا قلت: أَشْهَدُ لَزَيْدٌ منطلقٌ، كان قَسَمًا، ولا يجوز ذلك في حضر، وكذلك العَمْرُ والعُمْرُ بفتح العين وضمها بمعنىً، وهو البقاء، إلا أنه استعمل في القَسَم، أحدهما وهو المفتوح، ونحو هذا كثير في كلام القوم.
والخامس: أن تكون نكرة بمعنى شيء، ويلزمها (١) النعت، كقولك: رأيت ما مُعْجِبًا لك، أي: شيئًا معجبًا لك، ومنه قول الشاعر:

٢٩ - رُبَّما تَكْرَهُ النفوسُ من الأمْـ ـــرِ له فَرْجَةٌ كحَلِّ العِقالِ (٢)
أراد رُبَّ شيءٍ تكرهُ النفوسُ، وكذلك (ما) في قولهم: نعم ما صنعت، وبئس ما صنعت، بمعنى شيء، وقد يجوز أن تكون معرفة، كقوله تعالى: ﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ﴾ (٣)، و ﴿هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ﴾ (٤) إن قُدِّرَتْ بمعنى الذي كانت معرفة، وإن قُدّرتْ بمعنى. شيء كانت نكرة.
والسادس: أن تكون نكرة بغير صلة ولا صفة كالتعجب، ويكون
(١) في المطبوع: ولا يلزمها. خطأ.
(٢) ينسب إلى أمية بن أبي الصلت، وهو من شواهد سيبويه ١/ ١٠٩، والأخفش ١/ ٣٨، والبيان والتبيين ٣/ ٢٦٠، والحيوان ٣/ ٤٩، والمقتضب ١/ ٤٢، وجمهرة اللغة ١/ ٤٦٣، ومجالس العلماء/ ١٢٦/ والمقتصد ١/ ١٢٩، والمفصل/ ١٧٧/ ونزهة الألباء/ ٣٢/.
وفي بعض الروايات: ربما تجزع. والشاهد فيه مجيء (ما) نكرة موصوفة بجملة (تكره النفوس).
(٣) سورة النساء، الآية: ٤٨.
(٤) سورة ق، الآية: ٢٣.


الصفحة التالية
Icon