الأطراف يتسارع إليها الخلل والإعوار، والأوساط محميَّةٌ من ذلك (١).
وقال آخرون: عَدْلًا؛ لأنَّ الوسط عدل بين الأطراف، لاعتدال المسافة إلى أطرافه ليس إلى بعضها أقرب من بعض، ومنه: فلان من أوسطهم نَسَبًا، أي: قد تكلله الشرف من نواحيه، تشبيهًا بالمكان الذي قد أحاطت به نواحيه على اعتدال (٢).
﴿لِتَكُونُوا﴾: اللام متعلقة بجعلنا، و ﴿عَلَى النَّاسِ﴾ بشهداء، و ﴿عَلَيْكُمْ﴾ بـ ﴿شَهِيدًا﴾.
﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا﴾، ﴿الْقِبْلَةَ﴾: مفعول أول لجعلنا، وثاني مفعولي ﴿جَعَلْنَا﴾ محذوف، و ﴿الَّتِي﴾ صفة له، أي: وما جعلنا القبلةَ الجهةَ التي كنت عليها، وهي الكعبة؛ لأنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان بمكة يصلي إلى الكعبة؛ ثم أمر بالصلاة إلى صخرة بيت المقدس بعد الهجرة تألفًا لليهود، ثم حُوِّلَ إلى الكعبة على ما فسر (٣).
وقيل: ﴿الَّتِي﴾ صفة للقبلة المذكورة، وثاني مفعولي ﴿جَعَلْنَا﴾ محذوف، أي: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها قبلةً أو منسوخةً، يعني صخرة بيت المقدس.
﴿إِلَّا﴾: حرف إيجاب. ﴿لِنَعْلَمَ﴾ متعلقة بجعلنا، والفعل منصوب بعدها بإضمار أن.

(١) الكشاف ١/ ٩٩.
(٢) كون الوسط بمعنى العدل: خرجه الطبري ٢/ ٧ من عدة أوجه. واقتصر عليه الفراء ١/ ٨٣.
قال الزجاج ١/ ٢١٩: واللفظان مختلفان والمعنى واحد، لأنَّ العدل خير، والخير عدل. قلت: لذلك فسره البغوي رحمه الله ١/ ١٢٢ بقوله: (أمة وسطًا) أي: عدلًا خيارًا. كما ذكروا معنى ثالثًا هو: التوسط في الأمور، لأنَّ المسلمين توسطوا في الدين، فلاهم أهل غلو فيه كالنصاري، ولاهم أهل تقصير فيه كاليهود، وهذا رجحه الطبري ٢/ ٦. وانظر النكت والعيون ١/ ١٩٩.
(٣) أخرجه الطبري ٢/ ٥ عن ابن جريجٍ.


الصفحة التالية
Icon