و (حيث): ظرف مكان، ولا يجازَى بها إلَّا مع (ما)؛ لأنَّها تضاف إلى الجملة، والجملة موضحة لها كما توضح الصلة الموصول، والشرط بابه الإبهام، فإذا وُصِلَتْ حيث بـ (ما) زال معنى الإضافة، وجُوزِيَتْ بها وصارت آخذةً صدرَ الكلام؛ لأنَّ (ما) منعتها الإضافة. فإذا قلتَ: حيثما تكن أكن، كان (تكن) عاريًا من الإعراب، وكانت جملة غيرَ مضافٍ إليها، وكان الفعل الذي بعدها في موضع جزم، فإن كان مُستقبَلًا ظهر الجزم فيه، وإن كان ماضيًا حكم على موضعه بالجزم، وكان هو العامل فيها، وهي عاملة فيه، فيكون كلّ واحد منهما عاملًا في حالٍ، معمولًا في حالٍ أخرى، ونظيرهما: أيَّهُمْ تُكْرِمْ أُكرِمْ، فأيَّ منصوب بتكرم، وتكرم مجزوم بأيّ، فاعرفه.
﴿أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ﴾: الضمير في ﴿أَنَّهُ﴾ للتحويل، أي: لَيعلمون أن التحويل إلى الكعبة هو الحق. قيل: لأنه كان في بشارة أنبيائهم برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه يصلي إلى القبلتين (١). وقيل؛ للمسجد. وقيل: للكتاب (٢).
﴿مِنْ رَبِّهِمْ﴾: في محل النصب على الحال، وقد ذَكرتُ نظيره فيما سلف من الكتاب (٣).
﴿وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (١٤٥)﴾:

(١) قاله الزمخشري ١/ ١٠١ والرازي ٤/ ١١٢.
(٢) أكثر المفسرين على أنَّ الضمير يعود إلى التحويل إلى الكعبة، وعبر عنه الطبري ٢/ ٢٣ بالتوجه نحو المسجد، وانظر الماوردي ١/ ٢٠٣، والبغوي ١/ ١٢٥، والزمخشري ١/ ١٠١، وابن عطية ٢/ ١١، وجوز الرازي ٤/ ١١٢ أن يعود إلى الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو إلى القبلة، قال: وقد تقدم ذكرهما.
(٣) عند قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ... ﴾ الآية: ٢٦، من هذه السورة.


الصفحة التالية
Icon