﴿مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ﴾: متعلق بقوله: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ﴾ تعلق الجار بالفعل، وكذلك ﴿مِنَ الْفَجْر﴾. وقوله: ﴿مِنَ الْفَجْر﴾ بيانٌ أَنَّ الخيطين من الفجر لا من غيره، لما روي: "أن الله تعالى لما أنزل: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا...﴾ الآية، ولم ينزل ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ كان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأسود، والخيط الأبيض، ولا يزال يأكل وبشرب حتى يتبين له، فأنزل الله تعالى: ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ فعلموا أنما يعني بذلك الليل والنهار" (١).
(مِن): الأولى للبيان، والثانية تحتمل أن تكون بيانًا للخيط الأبيض، كأنه قيل: الخيط الأبيض الذي هو الفجر، وأن تكون للتبعيض؛ لأنه بعض الفجر وأوله.
والفَجْر في الأصل: مصدر قولك: فَجَر الشيءُ يَفْجُر فَجْرًا، إذا شقّ.
والخيط الأبيض: قيل: أَوَّل ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق، كالخيط الممدود.
والخيط الأسود: ما يمتد معه من غبش الليل، والغَبَشُ بالتحريك: البقية من الليل، ويقال لظلمة آخر الليل، شُبِّها بخيطين: أبيض وأسود.
وقوله: ﴿وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ﴾ ابتداء وخبر في محل النصب على الحال من الضمير في ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ﴾، أي: ولا تباشروهن وقد نويتم الاعتكاف في المسجد.
قيل: وليس المراد النهي عن مباشرتهن في المسجد؛ لأن ذلك ممنوع منه في غير الاعتكاف (٢).
(٢) كذا قال العكبري في التبيان ١/ ١٥٥ أيضًا. وهو للماتريدي في تأويلات أهل السنة/ ٣٨٢/ قبلهما قال: لأن المساجد كانت أجل عندهم من أن يجعلوها مكانًا لوطء النساء.