القصيدة) (١)، وقد رأيت الهمم إليه مصروفة، والقلوب به مشعوفة (٢)، أحببت أن أشفعه بكتابٍ آخر في إعراب القرآن، مقتضب من أقاويل المفسرين، ومن كتب القراء والنحويين، بعدما سمعت أكثرها من مشيختي، ورويتها عن أئمتي، مجتهدًا في جمع مفترقه، وتمييز صحيحه، وإيضاح مشكله، وحذف حشوه، واختصار ألفاظه، وتقريب معانيه، بديع في فَنه (٣)، رائق في حُسنه، لا بقصير مخل، ولا بطويل ممل، فبادرت إلى تأليفه وإتمامه خوف فُجاءَةِ الموت (٤)، وحدوث الفوت، وطمعًا أن ينتفع به طالبو هذا الفن، وأودعته ما يحتاجون إليه.
والذي حملني على تأليف هذا الكتاب - وإن سبقني إلى جمع مثله ذوو الألباب - تطويلُ قومٍ وتقصيرُ آخرين، مع إخلائهما من كثير ما يُحتاج إليه، وذكرهما ما لا يُحتاج إليه، فأردت أن يكون كتابي هذا مَجْمَعَ بينهما، ومَحْجَر عينهما، ولست بمنتسب إلى الكمال، ولا بِمُدَّعٍ العِصْمَةَ في المقال، ولكن أقول ما قال ابن العلاء (٥): "ما نحن فيمن مضى إلاَّ كبَقْلٍ بين أصول نَخْلٍ طوال" (٦). فما عسى أن نقول نحن، وأفضل منازلنا أن نفهم أقوالهم، وإن كانت أحوالنا لا تُشْبِه أحوالهم؟
(٢) كذا في (ب) و (د) بدون نقطة. وفي (أ): مشغوفة. وكلاهما بمعنى.
(٣) في (أ): سَنّه.
(٤) في (ب): فجأة الموت. دون مد: وكلاهما صحيح.
(٥) هو أبو عمرو بن العلاء، اسمه كنيته، وقيل غير ذلك، مازني بصري أحد القراء السبعة، كان رأسًا في العربية لغتها وغريبها، أخذ عنه الخليل بن أحمد، والأصمعي، وكان يقرئ الناس في مسجد البصرة والحسن البصري حاضر، توفي سنة أربع وخمسين ومائة.
(انظر: الاشتقاق - طبقات الزبيدي - نزهة الألباء).
(٦) هكذا ساقه الذهبي في معرفة القراء ١/ ١٠٤ عن الأصمعي عن أبي عمرو. وساقه ابن الأنباري في النزهة/ ٣٢/ هكذا: "إنما نحن بالإضافة إلى من كان قبن كبقلٍ في أصول رقل". أي: نخل طوال.