قلتَ: إن هذا لِعيسى، وإنْ هذا لَعيسى، تريد بأحدهما أن تقول: إن هذا ملْك له، وبالآخر إن هذا لهو، كقولك: إن هذا لَزيدٌ. لم يُفْصَلْ بين الحالتين ولالْتبس لام الابتداء بلام الملك، إذ ليس يظهر الإعراب في آخره، فيفصل بين الحالين بالرفع والجر (١). وزعم ابن كيسان (٢) أن الأصل فيه الكسر، لأنه جارٌّ، فالأَولى أن تكون حركته من جنس ما يحدثه، وإنما فتح مع المضمر كراهة الضم بعد الكسر إذا قلتَ: لِهُو، إذ ليس في الكلام (فِعُلٌ)، والأول أمتن وعليه المحققون (٣).
والحمد والمدح أَخَوان (٤)، وهو الثناء على الرجل بما فيه من شجاعة أو كرم، أو جميل أَوْلاكَهُ، تقول: حَمِدْتُ الرجلَ على شجاعته، وحمدتُه على كرمه ويعمه، أَحْمَدُه حَمْدًا ومَحْمَدَةً، فهو حَمِيد، ومحمود.
والحمد أعم من الشكر (٥)، لأن الشكر هو الثناء على الرجل بمعروف أولاكه، ولذلك يقول أهل اللغة: قد يوضع الحمد موضع الشكر، فيقال: حمِدت الرجل على معروفه وإحسانه، ولا يوضع الشكر موضع الحمد فيقال: شكرت الرجل على شجاعته، ويدل على صحة ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: "الحمد رأس الشكر، ما شَكَر اللهَ عبدٌ لم يحمدْهُ" (٦).

(١) انظر في هذا باب ما ترده علامة الإضمار إلى أصله، الكتاب ٢/ ٣٧٦. وذكره النحاس ١/ ١٢٠ عن سيبويه، وانظر أيضًا في هذه المسألة البيان ١/ ٣٤، ومغني اللبيب/ ٢٧٤/.
(٢) هو محمد بن إبراهيم بن كيسان النحوي، أخذ عن المبرد وثعلب، وقال أبو بكر بن مجاهد: إنه أنحى منهما. له عدة تصانيف، واختلف في وفاته: فقال الخطيب: مات سنة تسع وتسعين ومائتين. وقال ياقوت: سنة عشرين وثلاثمائة.
(٣) انظر في حركة لام الجر تفصيلًا أكثر: شرح المفصل لابن يعيش ٨/ ٢٦.
(٤) قال الراغب (حمد): الحمد أخص من المدح، وكل حمد مدح، وليس كل مدح حمدًا.
وانظر معاني النحاس ١/ ٥٧.
(٥) كذا في معاني النحاس ١/ ٥٧ والصحاح والمفردات. وعبارة الخطابي في غريب الحديث له ١/ ٣٤٦: فكل حمد شكر، وليس كل شكر حمدًا.
(٦) الحديث أخرجه عبد الرزاق في المصنف (١٩٥٧٤)، والخطابي في غريب الحديث ١/ ٣٤٥ - ٣٤٦ من طريقه، وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان (٤٣٩٥) من طريق عبد الرزاق=


الصفحة التالية
Icon