لأنها ليست من ضمائر المرفوع، وامتناع النصب: لأنه ليس لها ناصب، وامتناع الجر: لأن المضمرات لا تضاف، لأنها معارفُ ولا يفارقها تعريفها، فلا تجوز إضافتها إلى غيرها، وهو مذهب صاحب الكتاب رحمه الله، وعليه المحققون من أهل هذه الصناعة (١).
وأما ما حكاه الخليل عن بعض العرب: إذا بلغ الرجل الستين فإيّاه وإيّا الشَّوابِّ (٢)، فليس سبيلُ مثلِه أن يَعترض على السماع والقياس جميعًا، ألا ترى أنه لم يُسمع منهم: إياك وإيا الباطل، ولا حُكي عنهم تأكيد اللواحق التي تلحقه من الكاف والهاء والياء، فَتَرْكُهُمْ ما ذكرتُ دل على شذوذ هذه الحكاية (٣)، وأن (إيًا) وحده اسم، وما بعده حرف يفيد الخطاب تارة، والغيبةَ أُخرَى، والتكلمَ ثالثةً.
وقال الكوفيون: إن الكاف اسم مضمر، و (إيّا) دِعامةٌ للكاف ووصلة إليها، ولم يبينوا هذه الدعامة ما هي: أمضمرة هي أم مظهرة؟ ودِعامةُ الشيءِ عمادُه، وقد رُدَّ هذا القول بأن قيل: إن أكثر الشيء لا يكون دعامةً لأقله، لأن أَقل ما في هذه الكلمة الكاف على قولهم، وقد دُعِمَتْ بأربعة أحرف.
وعنهم أيضًا: أنَّ ﴿إِيَّاكَ﴾ بكماله اسم مضمر. وفيه أقوال أُخَرُ أَضربتُ عنها خوف الملل (٤).

(١) هذا ما نص عليه صاحب الكشاف ١/ ٩ ونسبه إلى الأخفش.
(٢) ذكره سيبويه ١/ ٢٧٩، والزجاج ١/ ٤٨ كلاهما عن الخليل، والشاهد فيه: إضافة (إيا) إلى اسم ظاهر، وانظر الكشاف ١/ ٩.
(٣) في (أ): الرواية.
(٤) انظر في (إياك) والخلاف فيها: الصحاح (إيا)، ومشكل مكي ١/ ١٠ - ١١، والبيان ١/ ٣٦ - ٣٧ والتبيان ١/ ٧، وانظر تفصيلًا أوسع في الإنصاف مسألة (٩٨) ٢/ ٦٩٥.


الصفحة التالية
Icon