ويعضدُه أيضًا ما روي عن الخليل رحمه الله أنه سأل أصحابه يومًا وقال: كيف تقولون إذا أردتم أن تلفظوا بالكاف التي في (لك)، والباء التي في (ضرب)؟ فقالوا: نقول: باء، كاف. فقال: إنما جئتم بالاسم ولم تلفظوا بالحرف، وقال: أقول: كَهْ، بَهْ (١).
وما روي عن أبي علي في إمالة (يا) من (ياسين) أنهم قالوا: يا زيدُ في النداء. فأمالوا وإن كان حرفًا. قال: فإذا كانوا قد أمالوا ما لا يمالُ من الحروف من أجل الياء، فَلَئِن يُميلوا الاسم الذي هو (ياسين) أجدر، فقد أثبتا أنها أسماء، كما ترى، وهما هما (٢)؛
وأجود ما قيل في هذه الحروف: أن كل حرف منها دال على اسم أُخذ منه، وحذفت بقيتُهُ، كقول ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: الألف من الله، واللام من جبريل، والميم من محمد - ﷺ - (٣)، وأن معنى ﴿كهيعص﴾: كبيرٌ، هادٍ، عزيز، صادق (٤). وهو مستعمل في كلام القوم، قال الشاعر:
٢٦ - نَادَوْهُمُ أَلَا الْجِمُوا أَلَاتَا | قالوا جميعًا كلُّهم أَلَافَا (٥) |
(٢) يعني الخليل والفارسي رحمهما الله، وانظر قول أبي علي هذا في حجته ٦/ ٣٦، وحكاه عنه صاحب الكشاف ١/ ١٣، وانظر في علة الإمالة هنا: الكشف عن وجوه القراءات ١/ ١٨٨.
(٣) كذا ذكره عن ابن عباس رضي الله عنهما ابن الجوزي في الزاد ١/ ٢٢، والقرطبي في الجامع ١/ ١٥٥، وذكره الرازي ٢/ ٦ عن الضحاك، وهو في تأويلات أهل السنة/ ٣٣/ دون نسبة.
(٤) انظر تفسير ﴿كهيعص﴾ أول سورة مريم في الطبري، فقد أخرج كل ذلك، وأما الياء فقال: هي أول حرف من اسمه يمين، أو من اسمه الذي هو حكيم، أو من قول القائل: يا من يجير. وانظر معالم التنزيل ١/ ٤٤.
(٥) هكذا هذا الشاهد دون نسبة في معاني الزجاج ١/ ٦٢ وعنه القرطبي في جامعه ١/ ١٥٦.