وقد جوز أن يكون عطفًا على محذوف، كأنه قيل: من نفس واحدة أنشأها أو ابتدأها وخلق منها زوجها، وإنما حُذف لدلالة المعنى عليه، والمعنى: شَعَّبَكُمْ من نفس واحدة هذه صفتها (١).
وقوله: ﴿وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا﴾ أي فرق ونشر، يقال: بث الخبر وأبثه أيضًا، إذا نشره، قال أبو إسحاق: بث جميع الخلق منهما (٢).
وقرئ: (وخَالِقٌ منها زوجها وبَاثٌّ منهما) (٣) بلفظ اسم الفاعل على أنَّه خبر مبتدأ محذوف، أي: وهو خالق.
وقوله: (تَسَّاءلون به والأرحام) قرئ: بتشديد السين على أنَّ أصله تتساءلون، فأدغمت التاء في السين بعد قلبها سينًا كراهة اجتماع المِثْلين في صدر الكلمة. وبتخفيفها (٤)، على حذف إحدى التاءين وهي الثانية، أي: يسأل بعضكم بعضًا بالله وبالرحم فيقول: بالله وبالرحم افعل كذا، على سبيل الاستعطاف (٥).
وقرئ: (والأرحام) بالحركات الثلاث (٦)، فالنصب: يحتمل وجهين:
أن يكون عطفًا على اسم الله تعالى، أي: واتقوا اللَّهَ والأرحامَ، أي: واتقوا الأرحامَ أن تَقْطَعوها.

(١) الكشاف ١/ ٢٤١.
(٢) معاني الزجاج ٢/ ٥.
(٣) نسبت في الشواذ/ ٢٤/ إلى خالد الحذاء. وذكرها الزمخشري ١/ ٢٤١، وأبو حيان ٣/ ١٥٥ دون نسبة.
(٤) قرأ المدنيان، والابنان، ويعقوب: (تسَّاءلون) مشددة السين. وقرأ الكوفيون: (تسَاءلون) خفيفة السين. واختُلف عن أبي عمرو: فروي عنه القراءتان. انظر السبعة/ ٢٢٦/، والحجة ٣/ ١١٨ - ١١٩، والمبسوط/ ١٧٥/، والتذكرة ٢/ ٣٠٣.
(٥) كذا في الكشاف ١/ ٢٤١ أيضًا.
(٦) قرأ الجمهور بالنصب، خلا حمزة فإنه قرأ بالجر، وأما قراءة الرفع فهي شاذة نسبها ابن جني في المحتسب ١/ ١٧٩، وابن عطية في المحرر ٤/ ٨ إلى عبد الله بن يزيد. وانظر السبعة / ٢٢٦/، والحجة ٣/ ١٢١، والمبسوط / ١٧٥/.


الصفحة التالية
Icon