ومعنى ﴿مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾: ما حل لكم منهن؛ لأنَّ من النساء ما حرم، وهن المذكورات في آية التحريم (١).
وقوله: ﴿مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ معدولةٌ عن أعدادٍ مُكَرَّرَةٍ، فمثنى: معدول عن اثنين اثنين، وثُلاث: عن ثلاثة ثلاثة، ورُباع: عن أربعة أربعة.
وإنما منعت الصرف لما فيها من السببين: وهما العدل والصفة، هذا مذهب صاحب الكتاب رحمه الله (٢). وقال غيره: إنما مُنعت الصرفَ لما فيها من العدلين: عدلها عن صِيَغها، وعدلها عن تكررها (٣).
ومحلهن النصب: إما على البدل من ﴿مَا﴾ في قوله: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ﴾، أو على الحال منها، كأنه قيل: فانكحوا الطيباتِ لكم معدوداتٍ (٤)، هذا على قول من جعل ﴿مَا﴾ بمعنى مَن، أو جنسًا، أو نكرة موصوفة، وأما مَن جعلها مصدرية: فَمَثْنَى وما عطف عليه عنده نَصبٌ على أنه مفعول به بفعل دل عليه هذا الظاهر.
والألف في ﴿مَثْنَى﴾ منقلبة عن لام الفعل، فإذا صَغَّرْتَ قلتَ: مُثَينٍ، كما تقول في مَلهًى: مُلَيْهٍ.
وقرئ: (ثُلَثَ ورُبَعَ) بغير ألف فيهما (٥)، على القَصْرِ منهما تخفيفًا، ونظير ذلك قولهم:
١٤٨ - أَقْبَلَ سَيْل جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّه......................... (٦)

(١) الآية في هذه السورة (٢٣).
(٢) انظر كتاب سيبويه ٣/ ٢٢٥.
(٣) قاله الزمخشري ١/ ٢٤٤. وانظر اعتراض أبي حيان ٣/ ١٥١ عليه، وذكر فيه أقوالًا أخرى.
(٤) بعدها في الكشاف (هذا العدد ثنتين ثنتين وثلاثًا ثلاثًا وأربعًا أربعًا). انظر الموضع السابق.
(٥) كذا أيضًا هذه القراءة للكلمتين عند الزمخشري ١/ ٢٤٥. واقتصر ابن جني في المحتسب ١/ ١٨١ على (رُبَعَ) بحذف الألف، وتبعه ابن عطية ٤/ ١٦، وأبو حيان ٣/ ١٦٣. وكلهم نسبها إلى إبراهيم النخعي، وابن وثاب. وانظر تفصيلًا أكثر في جامع القرطبي ٥/ ١٥.
(٦) تقدم هذا الشاهد برقم (١١).


الصفحة التالية
Icon