والدليل على صحة ما ذهبتُ إليه: كونُهما غيرَ مصروفين، كما هما في قراءة الجمهور.
والواو في قوله: ﴿وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ ليس للجمع، ولا يكون العدد تسعًا (١)، وإنما هذه الكلمات موضوعة في كلام القوم للتكرار، ولا يجوز أن يُعَبَّر عن التسع بهذه العبارة في الكلام الفصيح خصوصًا في الكتاب العزيز، ولهذا قال بعضهم: إن هذه الواو تُفِيدُ البدلَ، كأنه قال: وثُلاثَ بدلًا عن مثنى، ورُباع بدلًا عن ثلاث، وكفاك دليلًا على ما ذكرت الإِجماعُ، فاعرفه (٢).
الزمخشري: فإن قُلْتَ: الذي أُطْلِقَ للناكح في الجمع أن يَجمع بين ثِنتين أو ثلاثٍ أو أربعٍ، فما معنى التكرير في مثنى وثلاث ورباع؟ قلت الخطاب للجميع، فوجب التكرير ليصيب كلّ ناكح يريد الجمع ما أراد من العدد الذي أطلق له، كما تقول للجماعة: اقتسموا هذا المال وهو ألف درهم: درهمين درهمين، وثلاثةً ثلاثةً، وأربعةً أربعةً، ولو أفردت لَمْ يكن له معنى.
فإن قلتَ: فلم جاء العطف بالواو دون (أو)؟ قلتُ: كما جاء بالواو في المثال الذي حَذَوْتُهُ لَكَ.
ولو ذهبتَ تقول: اقْتَسِمُوا هذا المال درهمين درهمين، أو ثلاثة ثلاثة أو أربعة أربعة لعلمتَ أنه لا يسوغ لهم أن يقتسموه (٣) إلّا على أحد أنواع هذه القسمة، وليس لهم أن يجمعوا بينها فيجعلوا بعض القِسْمِ على تثنية، وبعضه على تثليث، وبعضه على تربيع، وذهب معنى تجويز الجمع بين أنواع القسمة
(٢) انظر في هذا أيضًا: جامع القرطبي ٥/ ١٧.
(٣) في (أ) و (ب): (أن يقسموه) وما قبلها (أقسموا).